طباعة هذه الصفحة

من أسرة محافظة على الدين والأخلاق من مدينة سيدي عيسى

لالة تركية ..الولية الصالحة والثمرة الفالحة

بقلم بلقاسم آيت حمو

إن المولى عز وجل يختص برحمته من يشاء، ويؤتي فضله من يريد من الرجال والنساء، فهو المعطي والمانع، والمعز والمذل، الخلق جميعهم عبيده، ونواصيهم بيده ﴾مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴿، (الأعراف الآية ١٧٨) وبلادنا الجزائر المحروسة حافل تاريخها المجيد ـ بفضل اللّه تعالى ـ  وجوده بأهل الخير والصلاح من الممنون عليهم ذكورا وإناثا.

ومن النساء الفضليات الشائع ذكرهن في أقطار الجزائر الولية الصالحة والثمرة الفالحة  ''لالة تركية '' قدس اللّه سرها، تلك المرأة الشريفة العفيفة التي يزخر تراثنا الشعبي الحديث بأخبارها وكراماتها إلى درجة أن صلاحها أصبح مضرب الأمثال يتردد على الشفاه في مدائح وطيب الأقوال، فمن هي يا ترى؟!
 هي الولية الصالحة تركية بنت علي بن يحي بن محمد بن عبد القادر بن إبراهيم بن طه بن علي بن يحي بن عيسى، والذي هو سيدي عيسى بن محمد من آل البيت نسبة إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وأرضاه وفاطمة الزهراء بنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ حيث يتواجد ضريح سيدي عيسى ببلدية سيدي عيسى ولاية المسيلة.
    
مولدها ونشأتها:

    ولدت الولية الصالحة لالة تركية بنت علي سنة ١٣٢٤هـ الموافق لـ ١٩٠٣م. بدوار سيدي عيسى حاليا دائرة سيدي عيسى ولاية المسيلة، من أسرة محافظة على الدين، والأخلاق الإسلامية، وتقاليد وعادات العرب الأحرار من أهل البوادي الذين اتصفوا بالجود والكرم، وعبادتهم اللّه وحبّهم لرسوله الأعظم سيدنا محمد ـ صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ وقد أنجب أبوها لها ٣ أخوات وأخا واحدا استشهد إبان ثورة نوفمبر المظفرة.
 نشأت لالة تركية بين أحضان عشيرتها وترعرعت، وحين بلغت سِنَّ الخامسة ساعدها أبوها وشجعها على حفظ القرآن الكريم، وقد حفظته وسنها لم يتجاوز الخامسة عشرة، وهي السن التي أخذت فيها حياتها منعرجا جديدا، وهذا حسب شهود عيان من أهلها وممن عاشروها وعاشوا في زمن صباها، تمثل في خروجها من قبيلتها دون إرادتها وأخذت تنتقل من منطقة إلى أخرى بين الجبال والكهوف لا أنيس لها سوى رب يحميها من مخاطر الإنس والدواب، وهو نعم المولى ونعم النصير. وقد تجولت  في عدة مناطق منها: حاسي مسعود، ورقلة، حاسي الرمل، الأغواط، آفلو، عين الصفراء، المشرية، البيض، الشلف، خميس مليانة، سعيدة، وبهذه الأخيرة، يقال إنها مكثت بإحدى الخلوات مدة من الزمن، كما زارت كل من: فاس ومكناس في المغرب، والساقية الحمراء، ووادي الذهب، وعادت أخيرا إلى منطقة الرشايقة بولاية تيارت مقر زاويتها وضريحها حاليا. وكانت لها نشاطات عدة اجتماعية أدت منها:
ـ تربية الناس على التمسك بالدين وطاعة اللّه، وحب رسوله ـ صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ وطاعة الوالدين، فقد كانت تبغض المتخلق بالأخلاق السيئة وتحذرهم من غضب اللّه عليهم وتحث على طاعة الوالدين فكانت في كل مرة تقول لزائريها: ''أطيعوا والديكم ثم أطيعوني ''، حسب شهادات من عايشوها، كما كانت تنصح البنات بالتخلق بالأخلاق الحسنة والطاعة.
 ـ إيواء عابري السبيل والمشردين: لقد كانت زاوية المرابطة لالة تركية مأوى لكثير من الناس فقد بقي عندها من كان مريضا حتى شفي بإذن اللّه، وبقيت عندها العديد من البنات حتى زوجتهم بنفسها، وبقي عندها من الشباب حتى أسكنتهم وزوجتهم، وبقي عندها من الشيوخ والعجائز حتى توفوا، وغيرهم، وهذه شهادة حية أشهد بها كوني رأيتهم وعايشتهم، ويشهد بها حتى البعض من المعنيين.

الأعمال الخيرية الأخرى:

ـ كما عملت لالة تركية على بناء مسجد بزاويتها لإقامة الصلاة والاعتكاف به ولم شمل مسلمي الناحية، خاصة أيام الأعياد الدينية كونهم كانوا بعيدين عن القرية ولا يمكن لهم التنقل إليها.
ـ فتحت مدرسة قرآنية وتحملت أعباءها من إطعام وإيواء الطلبة الذين كانوا يدرسون بها.
ـ ساعدت كل من احتاج إليها لترميم مسكنه أو بنائه، أو تزويج أحد أولاده.

دورها إبان ثورة التحرير الوطني:
 لقد لعبت المرابطة لالة تركية وبحكم مكانتها في الأوساط السكانية دورا كبيرا في مساعدة المجاهدين أثناء الثورة، ومن بين ما قامت به أنها كانت تخبئ الأسلحة في محيط زاويتها، كما اختبأ عندها الكثير من المجاهدين الذين كانوا بالمنطقة، أو أولئك الذين يأتون من بعيد، كما كانت زاويتها ملجأ لهم، ومركز عبور، ومكانا للراحة، واستعادة قواهم، والدليل على ذلك شهادة الكثير ممن عاشوا الثورة، وأكثر من هذا كانت في بعض الأحيان هي التي تشرف على عملية نقلهم من منطقة لأخرى بواسطة شاحنة أحد المحبين لها، وكدليل آخر بعض الصور التي التقطت لبعض المجاهدين في الزاوية.
 هذه لمحة وجيزة عن ما قامت به هاته الولية الصالحة إبان ثورة التحرير الجزائرية.
 وبعد الاستقلال واصلت نشاطها الديني والخيري إلى أن توفيت في ١٨ جوان ١٩٩٣م. وتقام ذكرى سنوية بهذه المناسبة في زاويتها العامرة التي يتولى الإشراف عليها حفيدها، فرضي اللّه عنها وأرضاها، وقدس سرها.