طباعة هذه الصفحة

رسالة المسلم في الحياة وأبعادها

يقول الله سبحانه في ختام سورة الحج: {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون وجاهدوا في الله حقّ جهاده} سورة الحج.
في هاتين الآيتين الكريمتين، يخاطب الحقّ سبحانه الجماعة المؤمنة أمّة الأيمان بـ “يأيها الذين آمنو”ا وهو نداء لطيف رقيق فيه من الشفقة والرحمة والحب مافيه من الله اللطيف الرحيم، وهو نداء يطلب فيه منهم الاستماع والاستجابة لما جاء في هذا النداء وكما يقول ابن مسعود «رضي الله عنه” إذا سمعت الله يقول يأيها الذين آمنوا فافتح لها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تُصرفُ عنه.
نعم إن هذا النداء الإلهي الجليل هو للإنسان المؤمن، والمؤمن فقط اختصه الله به فهو يقول له: أيها المؤمن استمع لما يلقى عليك من أوامر ونواهي، فاعلم بما أمرتك به واجتنب ما نهيتك عنه.
والاستجابة لأمر الله واجبة، ولا تتحقّق إلا بوجود الإيمان الحقّ، الإيمان الذي يشكوه الكثير منا في هذا الزمان والذي ربّى عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحابته. إننا في حاجة إلى تهيئة النفوس بالإيمان، فإذا آمنا حقّا وإذا أيقنا صدقا، وإذا عرفنا ربّنا وعرفنا مصيرنا أصحبت نفوسنا مستعدة لأن تتلقى الأوامر والنواهي، فإذا أمرت أو نهيت كان قولها سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير.
إن القرآن الكريم في هذه العبارات الموجزة في الآيتين الكريمتين، حدّد رسالة المسلم في هذه الحياة ومهمة المؤمن، إنها رسالة ذات شعب ثلاث:
١ - شعبة تحدّد العلاقة الأساسية بين العبد وربّه.
٢ - شعبة تحدّد العلاقة بين العبد والمجتمع الذي يعيش فيه.
٣ - شعبة تحدّد العلاقة الأساسية بينه وبين قوى الشر المعادية له ولدينه.
فأما الشعبة الأولى: فهي التي عبّر عنها في قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم}.
إنها الشعبة التي تحدّد علاقة الإنسان المؤمن بربّه وهي العبادة الحقّة والغاية الأولى التي خلق من أجلها الإنسان، قال تعالى بأسلوب الحصر وهو يبين هذه الغاية من خلقنا: {وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعدونِ}، سورة الذاريات. نعم إن الله لم يخلقنا من أجل العبث والعَيْث في الأرض فسادا وإنما من أجل العبادة بمفهومها الواسع والذي يعني كل عمل يقوم به المؤمن يريد به وجه الله تعالى، فالعمل عبادة والتجارة عبادة، والنوم عبادة والزواج عبادة والسعي من أجل الرزق عبادة وكل حركة أو سكون عبادة. عبادة بشرط أن يريد بذلك وجه الله تعالى ولا يشرك في عبادته أحدا.
والعبادة تقوم على العلم والمعرفة فلا يعبد الله حقّ العبادة إلا من عرفه حقّ المعرفة، ومن عبد الله عن غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ولهذا يقع الناس في الشرك وفساد العبادة بسبب الجهل وظنّهم أنهم يقومون بهذه العبادة مزية منهم لله تعالى، لكن الله غني عن العالمين قال سبحانه في الحديث القدسي: “عبادي إني ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة ولا لأستكثر بكم من قلة ولا لأستعين بكم على أمر عجزت عنه ولا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة، وإنما خلقتكم لتعبدوني طويلا وتذكروني كثيرا وتسبحوني بكرة وأصيلا”.
أما الشعبة الثانية: من شعب رسالة المسلم في الحياة فهي التي تحدّد العلاقة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه.
 والتي عبّر عنها القرآن بقوله: {وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون}.
إن طرق الخير كثيرة والمسلم من طبيعته فعّال للخير دفّاع للشر، والناس لا يرون منه إلا خيرا، فهو يفعل الخير مع نفسه ومع أهله ومع جيرانه، فيعين هذا وذاك ويعطي من غير مقابل “ولسان حاله يقول: “إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا”.
والمسلم الحقّ ليس مصدرا للأذى لأي أحد من الناس لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده”، فهو يفعل الخير فإن لم يستطع يدل عليه لأن الدال على الخير كفاعله، فإن لم يستطع أن يقدم شيئا فهو على الأقل يكفي الناس شرّه.
وأما الشعبة الثالثة: والأخيرة فهي التي تحدّد العلاقة بين المسلم وقوى الشر المعادية لدينه وما أكثرها، فالمسلم يجاهد في الله حقّ الجهاد. والجهاد الحقّ هو جهاد النفس التي هي أعدى الأعداء والتي بين جنبيه فإذا استطاع جهادها فعلى جهاد غيره كان أقدر وأجدر وأعظم الجهاد هو تفوّق المسلم في مجال حياته العملية والعلمية وأن يكون ماهرا في ميدانه متفوقا فيه حتى يخرج هذه الأمة من دائرة التخلّف والتبعية إلى التطور والرقي والأستاذية.
إن هذه الشُعب جديرة بأن تغيّر حال الفرد والجماعة إذا وعى الإنسان الرسالة التي كلّفه الله بها وهي عبادته، والعلم من أجل إقامة شرعه في الأنفس والآفاق.