طباعة هذه الصفحة

الإســـتـــئــذان خــلــق رفــيــع وواجــب قــبــل دخــول الــبــيــوت

يقول الله في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النور).
إنّ الإسلام يركّز كثيرا على الجانب الخلقي، ويدعو إلى الاتزام بالآداب العامّة التي تفرضها الأخلاق، والتي تنظّم العلاقات بين الأفراد والجماعات حتى يتحقق التماسك الاجتماعي وعدم الانفلات في هذه العلاقات، والتعدّي على الحقوق.
وفي هذه الآية الكريمة يرشدنا الله سبحانه إلى جملة من الأخلاق والأحكام المتعلّقة بالآداب العامّة الشّرعية المطلوبة عند دخول المسلم مكانا خاصّا بغيره، فما هي هذه الأحكام والآداب التي ينبغي على المسلم الالتزام بها؟
من هذه الأحكام التي يلزمنا - في الحقيقة - الشرع بالتمسك بها وعدم تجاوزها بشكل أو بآخر ما يلي:
١ - أنّ الإسلام يحرّم على المسلم أن يدخل بيت غيره من غير إذن صاحبه، وهذا في حالة ما إذا كان البيت ملك  رقية أو ملك انتفاع أي مستأجر، وفي هذا يتبين لنا مدى حرمة البيوت باعتبارها مكان الأسرار ومؤتمن الإنسان وملاذه وسر سعادته، وشرط استقراره وقراره في هذه الدنيا.
٢ - أن الإستئذان عند طرق الباب والذي هو واجب على المسلم ليس مفتوحا أي أنه لا حرج على الإنسان أن يطرق باب جاره أو غيره بالعدد الذي يريد حتى يتمكن من الحصول ما يريد كلاّ!! وإنّما الإستئذان الذي قرره الشرع هو ثلاث مرات فإن أذن له دخل وإلا رجع من حيث أتى، ولا يجب عليه كما يفعل بعض الناس أن يتسلق الجدار أو ينظر من ثقب الباب ليتأكد من وجود صاحبه لأن ذلك مدعاة للفتنة وكشف العورات والتطلع عن الأسرار، وهذا يؤدي إلى التقاتل والعداوة والبغضاء وانعدام الثقة بين المتحابين.
٣ - هذا يدفعنا إلى القول أنه لا ينبغي للمسلم أن ينظر في بيت أحد بعد فتح الباب قبل أن يؤذن له، وأنه من أدب الإستئذان أن لا يقف مقابل الباب، بل عليه أن يقف إلى يمين الباب أو يساره، حيث جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّـما جعل الإستئذان من أجل البصر»، أي حتى لا ينظر الإنسان إلى ما في البيت من عورات وحرمات وأسرار.
٤ - ومن آداب الاستئذان كذلك أن يتجنّب المسلم قوله أنا حين طرق الباب، فإذا قيل له من؟ لا يقول: أنا لأن كلمة أنا لا تفصح عن قائلها ولأنّها شعار المتكبّرين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهها فعن جابر رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا..أنا، كأنّه كرهها.
٥ - ومن الآداب كذلك أن يقبل المسلم اعتذار غيره إذا لم يأذن له بالدخول سواء كان الأمر تصريحا أو تلميحا، لأن الإنسان في هذه الحالة حر في تصرفاته وفي قراراته، فله أن يقبل استقبال أحد، كما له الحق أن يرفض من يستقبله لأنه أعلم بشؤون أموره ثم أنّ الله تعالى أمر بوجوب قبول ذلك فقال: {وإن قيل لكم أرجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (النور).
٦ - ومن الآداب كذلك أن لا يطرق الباب بعنف، ذلك أن من الناس من هو جلف في تعامله، فيرن الجرس أو يطرق الباب بقوة وعنف، وكأنه منذر جيش وربما استخدم رجله وذراعيه وكل الوسائل لطرق الباب، وهذا من سوء الأدب لا من حسنه ولا من جماله.
٧ - ومن الآداب كذلك الإستئذان عند الخروج من بيت المضيف، ولا يخرج بدون استئذان لأنه ربما وقع النظر على أمر لا يحل له رؤيته أو غير مرغوب في النظر إليه، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومنّ حتى يستأذنه».
فهذه آداب الإستئذان فنحن في حاجة إلى أن نتمسّك بها حتى نضمن لأنفسنا نظام حياة إسلامي رفيعا يقوم على المحبّة والرّحمة، ورفع الحرج عن بعضنا بعضا.