طباعة هذه الصفحة

الـصـائـب لـــيســــت شــرا دائــمـا والإبـــتـــلاء درب الـــصـــالحــين

يقول تعالى: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون» ـ البقرة ـ
كثير من الناس يعتقد أن المصائب التي تحل بالعبد هي غضب من الله تعالى عليه، وهذا غير صحيح، بل أن المصائب تعد منحا عظيمة للمسلم، التي تتنوع في الشدة، والثبات أمامها يتحدد بقوة الايمان والصبر الذي يتحلى به الإنسان.
 على هذا الأساس نستطيع القول إن المصائب ليست شرا دائما و «ربّ ضارة نافعة» كما يقول المثل العربي والابتلاء والمحن درب المؤمنين والصالحين من قبل حيث قال تعالى: «ألم أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا أمّنا وهم لا يفتنون ولقد فتّنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين» ـ سورة العنكبوت ـ
فالمحن والابتلاءات والمصائب التي يتعرض إليها الإنسان هي خير دائما، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن الثابت الصابر المحتسب في حالها والشاكر التواب الحامد لربه في حال الرخاء والسعة ولقد أخرج الإمام مسلم عن صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله له خير إن اصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن»
والانسان المسلم لا يصاب هكذا فقط أو يعتقد أن الله يعذبه بما حل عليه من كوارث وأخطار فحاشاه سبحانه وهو القائل: «ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما» «النساء» ،
نعم ان المسلم اذا حلت به مصيبة فإن ذلك دليل على حب الله له، وبها يكفر عنه المعاصي والذنوب، وهذا من حسن حظه فإن كلّ هم أو غم يمر عليه هو تكفير لخطاياه، وصدق رسول الله وهو يقول: «مايصيب المؤمن من همّ ولا غم ّ ولا وصب، ولا حزن حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها خطاياه» رواه البخاري عن أبي هريرة «والمؤمن هو أشد بلاء، حيث يقول أهل العلم: «إذا رأيت المؤمن يصاب دائما، فاعرف انه بخير وعلى خير كثير وبر وعمل صالح فعن أبي هريرة: «رضي الله عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة يمنة ومرة يسرة، وأما المنافق كالأرزة لاتزال صلبة حتى يكون انجعافها مرة واحدة». رواه البخاري وأحمد.
 هذا يؤكده القرآن حيث ان المنافق تجده من أصّح الناس جميعا وأوفرهم مالا وأعظمهم جاها، انه يميل مع هؤلاء ومع هؤلاء، ولكنه انسان لئيم خبيث فاسق يقول سبحانه في شأنه: «واذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو، فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يوفكون»، سورة المنافقون».
أما المؤمن فمن فرط حب الله له وصفاء سريرته فإنه معرض دائما للحوادث والكوارث لتزيده قوة وتمحيصا حتى إذا لقي الله لقيه وهو صافٍ من كل درن ووسخ وذنوب، فهو قد يصاب بفقد الأهل والولد والخلان وأقرب المقربين إليه، ولكن لما علم ان هذه المصائب تهون عليه حينما يعلم ان أعظم مصيبة لحقت العالم بأسره هي وفاة خير البرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فهو مصيبته تهون عليه وصدق عليه الصلاة والسلام وهو يقول: «من أصابته مصيبة فليتعز بي، فإني عزاء لكل مسلم».
كيف لا وهو الرحمة المسداة والنعمة المهداة للبشرية حيث أخرجها من الظلمات الى النور ومن الضلالة الى الهداية ومن عبادة الحجر والوثن والهوى الى عباده الله وحده، فلا يمكن أن يصل أحد الى نبيه صلى الله عليه وسلم ويفدى بالأب والأم والولد والنفس والدنيا جميعها، ولهذا لما مات عليه الصلاة والسلام ورجع الناس من الصحابة الكرام تلقتهم فاطمة كما روى أنس: «رضي الله عنه»، قالت له: «يا أنس أطابت أنفسكم ان تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم» فسكت أنس.
وعمر لهول المصيبة جرد سيفه ووقف بباب المسجد، وهو يقول: من قال أن محمدا مات ضربت عنقه بسيفي هذا انه ما مات ولم يمت، حتى جاء أبو بكر وأقنعهم بمصير كل حي حتى وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم، فقال من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت فأدرك الناس الحقيقة ورجعوا الى رشدهم وهكذا فان المطلوب منا في ساعة المصيبة الصبر والرضا بقضاء الله وقدره وعدم الاستدراك على الله والصخب، وعلينا تقبل أمر الله تعالى وأن نعلم ان الصبر مع الصدمة الأولى، وأن الموت حق وكل الناس آتيه وهو كأس وكلهم شاربه «كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة».