طباعة هذه الصفحة

للحصول على التقوى مفاتيح فاعلمها!

قال تعالى:» إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم» «آل عمران».
إن التقوى أمر الله تعالى للأوّلين والآخرين وهي وصيته إليهم، ولقد جاء القرآن يحث عليها في آيات كثيرة، ولكن السؤال الذي نطرحه ويطرحه غيرنا في كثير من المرات ماهي الفائدة من التقوى، وماهي الثمرات التي نجنيها منها؟
والجواب يمكننا الحصول عليه من خلال هذه الآية التي بين أيدينا والتي يشترط فيها الله سبحانه لتحقيق التقوى فوائد ثلاث:
الفائدة الأولى: من خلال هذه الآية ان الله يعطي لعباده المتقين المفاتيح التي يفرقون بها بين الحق والباطل وبين الخير والشر فقال: «إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا».
ويكون هذا الفرقان عن طريق العلم الصحيح والفهم الدقيق لأحكام الشريعة والاطلاع على أسرارها، لأنّ أصعب ما في الاسلام ليس العمل والتطبيق والحماسة فيه بل الفهم الذي يذلل الصعاب ويفصِّل المجهل ويقيّد المطلق ويخصّص العام ويرد الفروع الى أصلها ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيرا مايطلب في أدعيته العلم مع الفهم: «اللّهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا»، «اللّهم افتح علينا بنور الفهم».
«اللّهم يا معلم إبراهيم علمنا ويامفهم سليمان فهمنا»، فالفهم هو الأصل والأساس في استنباط أحكام الشريعة والوصول الى ساحة الوسطية والاعتدال من غير إفراط ولا تفريط وهو الذي  يوصل صاحبه الى معرفة سياسة النفس التي يفلح من يزكيها ويخيب من يدسّيها، ويفهم مايقصده النبي صلى الله عليه وسلم من قوله لقتادة رضي الله عنه: «لو تدومون على ماتكونون عليه عندي لصافحتكم الملائكة في فرشكم وفي الطرقات ولكن ساعة وساعة ياحنظلة».
إن هذا الاعتدال والوسطية في كل الأمور هو فتح من الله يمنحه لمن يشاء من عباده الذين يتقونه حق التقوى ويعبدونه حق العبادة ويطيعونه حق الطاعة.
الفائدة الثانية: إن التقوى تعمل على محو السيئات والذنوب وأن الله سبحانه هو الذي يلهم المتقى الى التوبة واصلاح ما أفسدته نفسه ولا يجعل للشيطان  عليه سبيلا حتى وإن وسوس له في أمر ما سرعان ما يعود الى ربه بسبب خوفه من عذابه وطمعه في رحمته، قال تعالى: «إن الذين إتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون»- الأعراف-.
 وهو مايعنيه الله من خلال هذه الآية التي هي محور حديثنا: «ويكفر عنكم سيئاتكم» ويقول في آية أخرى من سورة الطلاق: «ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا» (الطلاق).
وأعظم ما يكفر به المتقى ذنوبه هو لسانه الذاكر لله المكثر من قول: «لا إله إلا الله».
وكذلك إرتباطه بالله الدائم الذي يجنبه الوقوع في المعاصي والذنوب لأن نية المسلم في اجتناب المعاصي والذنوب، في حد ذاتها، تحصين وكفران للذنــــــوب والمعاصي، كما قال سبحـــــانه:
«إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه تكفر عنكم سيئاتكم». (سورة النساء).
كما أن إسباغ الوضوء يمحو الخطايا ويزيد في تقوى المسلم فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا الى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرباط فذلكم الرباط» رواه مسلم.
الفائدة الثالثة: ان من فوائد التقوى كذلك غفران الذنوب وذلك ان الله تعالى ييسّر للمتقي أسباب المغفرة، ويجعل لسانه رطبا بالاستغفار ويكون عبدا لله رجاعا توابا لا مصرا على ذنوبه ومعاصيه، وذلك نعمة من الله تعالى على عباده.
والاستغفار لايلهم إليه إلا من إتقى الله حق تقاته فهو رمز الاعتراف بالذنب والتقصير في حق الله تعالى، ولذلك فهو ليس حكرا على المؤمنين فقط بل حكرا أساسا على المتقين العارفين بالله وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلون فلقد كان نوح عليه السلام يحث قومه على الإستغفار الذي يفتح الله به عليهم: «استغفروا ربكم انه كان غفارا» (نوح) ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: «أيها الناس إستغفروا ربكم فإني أتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
ولذلك فإن من البلاء العظيم للعبد أن يظن أن ذنوبه لا تستدعي استغفارا لأنها صغيرة أو أنه يعمل الطاعات كثيرا فيصرّ على الصغائر ويطمئن لعمله الصالح، فإن هذا هو الذي يؤدي به الى التهلكة.
إن التقوى مهمة جدا للانسان إذا فهم معناها وعمل بمقتضاها فهي التي تحقق له مراده في الدنيا والآخرة، وهي المنقذ من مشاكل الدنيا المفرجة للهموم والمخرجة من الضيق، قال تعالى:»ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب». «الطلاق».