طباعة هذه الصفحة

استغلال رمضان من خلال جوانبه الاجتماعية والأخلاقية والتعبّدية

إنّ شهر رمضان فضّله الله على الشهور الأخرى وخصّه بمزايا تفرّد بها دون غيره من الشهور، حيث إنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وهو شهر الصوم الذي يعدّ أعظم عمل يقوم به الإنسان لربّه، ولهذا نسبه الله عزّ وجل لنفسه في قوله: {كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم، فإنّه لي وأنا أجزي به}، وهذا شرف عظيم لهذا الشهر الكريم، وهو شهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنّم وتُصفد فيه المردة والشياطين، وهو شهر التقوى والعبادة والطاعة وهي الثمرة المرجوة نيلها لترك الطعام والشراب والشهوات كلها قال تعالى: {يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}، البقرة.
فعلى هذا الأساس، فإنه يتطلّب منا ونحن في رمضان استغلال فضائله من خلال جوانب ثلاث: الجانب الاجتماعي والجانب الأخلاقي والجانب العبادي والتعبّدي.
أولا: الجانب الإجتماعي: إنّ شهر رمضان هو شهر البركة والخير وعلينا أن نبادر إلى ذلك ونتسابق فيه وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون والخير أبوابه مفتوحة ومتنوعة وعلى المسلم أن يكون كالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي كان يتصّف بالجود في كل أشهر السنة وكان أجود كالريح المرسلة في شهر رمضان، ذلك أن الأجر يضاعف فيه والحسنة فيه بمائة ضعف وتزيد والناس في مجتمعنا أنواع هناك الغني وهناك الفقير وهناك المتوسط والله سبحانه سخرنا لبعضنا بعضا حتى نعرف حقّ الله في هؤلاء الضعاف الجياع العرايا فنشاركهم طعامنا ولباسنا وهكذا نكون قد حقّقنا التكافل الاجتماعي الحقيقي والتضامن الذي يدفع الصراع وتمني زوال النعم على الأغنياء وتنتشر بذلك المحبة بين أبناء المجتمع الإسلامي.
من جهة أخرى، أن هذا الشهر من الجانب الاجتماعي يعلّمنا كيف نقضي على شحّ أنفسنا وكيف نحقّق لأنفسنا الفلاح كما قال سبحانه: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شحّ نفسه فأولائك هم المفلحون}، التغابن.
والشحّ والبخل خاصية ذميمة أهلكت الأمم التي قبلنا بسبب إهمالها لحق الفقراء والمساكين ولقد ثبت ذلك في السنة الشريفة.
ثانيا: الجانب الأخلاقي: إنّ رمضان فرصة للتحلّي بالأخلاق الحسنة وترك الأخلاق السيئة، التحلي بالصبر والمصابرة والدفع بالتي هي أحسن، واكتساب خلق الصدق والوفاء لأن حقيقة الصوم ليست في ترك الطعام والشراب، وإنما في تحقيق مقام الإحسان في النفس والحصول على التقوى في السلوك والتصرفات وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ يقول: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، رواه البخاري.
لذلك ،فإن التقاتل والسبّ واكتساب العادات السيئة ونشرها ليست من الإسلام ولا يجب أن تحصل في شهر الصيام، وإذا حدثت فإن عقابها وإثمها يضاعف والمسلم الصائم هو الذي يشيع في أوساط الناس الأخلاق الطيبة  ويتنازل عن حقوقه بل يسمح فيها، فإن سابّه أحد أو خاصمه أو جهل عليه، فإنه يعمل بوصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائلة: «ليس الصّيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد، أو جهل عليك فقل إني صائم»، رواه ابن خزيمه.
ثالثا: الجانب التعبدي: وهو الذي يعطي للصيام لذّة الحب لله عزّ وجل والقرب منه والشعور بمعيته والحرية من كل مخلوقاته إذ لا إله إلاّ هو، ولا معبود بحقّ سواه مخلصين له الدين، ولهذا فإن الصيام حقيقته سرّ بين العبد وربّه وهو العبادة الوحيدة المنسوبة إليه، فكل أعمال الإنسان لنفسه الخاصة إلاّ الصيام فإنه لله رب العالمين يقول سبحانه في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به».
فشهر رمضان هو شهر العبادة بامتياز، شهر الحصاد لما غرس في رجب وسقي في شعبان، فهو ميدان لتسابق الخيرات من قراءة القرآن بتدبّر والعمل والاعتكاف والتهجّد وصلاة التراويح والإكثار من الصدقات وفعل الخيرات وإعانة المحتاج ورحمة الأيتام والأرامل والمساكين وقراءة الكتب المفيدة الهادفة والاستماع إلى البرامج النافعة، وكل هذا يدخل في معنى العبادة الحقّة في هذا الشهر الكريم. وبالمقابل هو شهر التغلّب على هوى النفس وهواجسها ووساوس الشيطان وسفاسف الأمور ودنياها والابتعاد عن كل ما يفسد هذا الوجد الرباني المتعالي الذي شعر فيه المسلم بالسمو الروحي والاستعلاء الإيماني.
فما أجمل أن نستغل هذه الجوانب الثلاثة في هذا الشهر الكريم، عسى أن يكتب لنا الله قيامه وصيامه إيمانا واحتسابا، وأن نفوز بالجائزة الكبرى بالفرح يوم الفطر والفرح عند لقاء رب العالمين.