طباعة هذه الصفحة

في الذكرى ال64 لإستشهاد البطل مراد ديدوش:

عمل مع بن بولعيد على إنشاء نواة مصنع للقنابل والمتفجرات

س.بوعموشة

«إذا استشهدنا فحالفظوا على ذاكرتنا».

 18 جانفي 1955-18  جانفي 2019 أربعة وستون سنة مرت على استشهاد البطل مراد ديدوش المدعو سي عبد القادر المولود بتاريخ 14 جويلية 1927، بحي المرادية الذي يحمل إسمه لارودوت سابقا، لكن والده سجله في اليوم الموالي حتى يتجنب ذكرى الإحتفال بالثورة الفرنسية لعام 1789، أصل عائلته من إيبسكريين في قرية أزفون بجبال جرجرة، هاجرت إلى العاصمة قبل ميلاده بعدة سنوات، ويعتبر الشهيد أصغر أفراد عائلته.
أدخله والده إلى الكتاب لحفظ جزء من القرآن الكريم على أيدي الشيخ أرزقي والطاهر، وعندما بلغ سن الدراسة إلتحق بالمدرسة وحصل على الشهادة الإبتدائية عام 1939، وانتقل إلى الثانوية التقنية بالحامة العناصر لغاية سنة 1942، ثم إنتقل إلى مدينة قسنطينة لمواصلة دراسته، لكن وفاة والده أرغمه على العودة إلى العاصمة ليوظف في مصلحة السكك الحديدية مدة قليلة، ثم غادرها سنة 1943، لينخرط في الكشافة الإسلامية الجزائرية وألف «فوج الأمل» بقيادة ذبيح الشريف، كما ألف فريق راما الرياضي لممارسة الرياضة التي كان يعشقها ويمارسه في أن واحد.
عندما بلغ  ديدوش سن ال16 دخل معترك السياسة وانخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري المحظور عام 1943، واشترك في مظاهرات أول ماي 1945 بالعاصمة إلى جانب باقي المناضلين وفي العام الموالي كلفه الحزب بالإشراف على التنظيم الحزبي في أحياء المرادية والمدنية وبئر مراد رايس في العاصمة، وعندما أسس حزب حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية المنظمة الخاصة العسكرية في منتصف فيفري 1947، انتخب عضوا فيها ومسؤولا.
عام 1948 أسندت له مهمة القيادة داخل هذه المنظمة في الشرق الجزائري، وأكثر من التنقل بين الجزائر وقسنطينة، عنابة، سكيكدة، والسمندو للعمل والتنظيم وأتاح له ذلك إحكام الإتصال والتواصل مع كبار المناضلين في الحزب والمنظمة أمثال زيغود يوسف، بولعراس ، مصطفى بن بولعيد، محمد العربي بن مهيدي ومحمد بوضياف، وبعد ذلك كريم بلقاسم، وقام بتأليف عدة أفواج شبه عسكرية وخلايا للعمل والتنظيم والإعداد، وعندما اكتشفت السلطات الإستعمارية سر المنظمة الخاصة العسكرية في مارس 1950 اتهمته مع غيره وحاكمته غيابيا بحكم عشر سنوات سجنا، وتمكن عام 1952 من العودة إلى العاصمة متخفيا.
أشرف على التنظيم السري للمنظمة في منطقة البليدة، الكدية ورغم تمكن السلطات الإستعمارية من اعتقاله فإنه تمكن من الفرار بسرعة، وانتقل إلى الغرب الوهراني وعين مسؤولا هناك مع غيره، على تسيير أعمال المنظمة الخاصة ، كما عمل مع مصطفى بن بوالعيد على إنشاء نواة مصنع لصنع القنابل والمتفجرات، ثم سافر إلى فرنسا لمساعدة محمد بوضياف على تنظيم خلايا الحزب والمنظمة، ولم تطل إقامته هناك، وعندما فر مناضلو الحزب من سجن عنابة عام 1952، ساعدهم على التخفي في جبال السمندو شمال قسنطينة، منهم عمار بن عودة وزيغود يوسف وأحمد بن بلة ، وآخرون وتنقل معهم بعض الوقت.

عين قائدا على منطقة السمندو بالشمال القسنطيني

عام 1954 وخلال شهر رمضان، اشترك في تأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل وحضر إجتماع ال22 بحي المدنية  صالومبي سابقا يوم 20 جوان 1954، الذين قرروا العمل لتفجير الثورة، وكلفوا لجنة الستة بالإعداد لذلك، بحيث عين قائدا على منطقة السمندو أو الشمال القسنطيني، وعلى الساعة الواحدة من صباح يوم الإثنين أول نوفمبر 1954 شن ديدوش مراد ورفاقه هجوما على. ثكنة السمندو العسكرية وهجوما آخر في الحروش، وتم خلالها الإستحواذ على قطعتي سلاح وجرح حارس بلدي.
 ومن القصص الطريفة التي سجلها الشهيد في التاريخ حسب ما ورد في كتاب المؤرخ الفقيد يحيى بوعزيز بعنوان «ثورات الجزائر في الفرنسيين التاسع عشر والعشرين: من شهداء ثورة أول نوفمبر 1954-1962»، أنه في ديسمبر 1954 دخل إلى مدينة قسنطينة واتجه إل مقهى خاصة للإلتقاء ببعض رفاقه عن موعد سابق،  وهو يعرف أنه متابع من طرف الشرطة، لكنه لم يكن يتوقع أن يتعرفوا عليه هناك، فبعد أن جلس وقف عند رأسه رجال الشرطة وطلبوا منه بطاقة تعريفه فأدخل يده بكل هدوء إلى جيبه ليخرج لهم البطاقة، لكنه أخرج مسدسه، وطلب منهم في الحين الوقوف والإتجاه نحو الحائط ففعلوا دون تردد وانسحب هو من المقهى واختفى وحصل ذلك دون ضجة.
وأضاف يحيي بوعزيز أن الشهيد لم يعش طويلا بعد اندلاع الثورة، فبينما كان يحاول صحبة 17 مجاهدا الإنتقام من بني ولبان إلى دوار الصوادق بمنطقة السمندو صباح يوم 18 جانفي 1955 ، توقفوا في وادي بوكركر وتفطن لهم أحد الخونة ووشى بهم إلى السلطات الإستعمارية التي أسرعت لحصارهم بقيادة دو كورنو على رأس خمسمائة جندي، واستمرت المعركة يوما كاملا إلى غاية الخامسة والنصف مساء، واستشهد هو وستة مجاهدين وقتل ثمانون جنديا فرنسيا على أيدي المجاهدين .
وبعد استشهاده دفن في مقبرة السمندو وأخذ الناس يزورون قبره، باستمرار خاصة في المناسبات والذكريات، فرأت السلطات الإستعمارية أن ذلك يمثل خطرا عليها لأنه يحيي في الناس روح الجهاد وللتضحية منعتهم من زيارة قبره.
وتبقى وصية ديدوش مراد الخالدة إلى الجزائريين «إذا استشهدنا فحالفظوا على ذاكرتنا».