طباعة هذه الصفحة

عاصر بدایية الصحافة وانتشار مدرسة التجدیيد الإسلامي:

عمـر راسـم رائــــد مــــن رواد الصحافــــة في القـــــرن العشرين

شهدت الجزائر خلال الإحتلال الفرنسي شخصيات صحفية، قضت حياتها في الدفاع عن مقومات والثوابت الإسلامية للجزائريين ضد سياسة التجنيس ومحو الدين الإسلامي، ومحاربة الظلم والإستعمار ومن بين هذه الوجوه الإعلامية التي دعت فيی مقالاتها الصحفية بجرائد ذو الفقار، الحق والإصلاح  إلى محاربة الاستعمار، والمطالبة بحقوق المسلمين الجزائریين، الرسام والإعلامي عمر راسم الذي أسس مدرسة أسماها مدرسة الفنون الزخرفية والمنمنمات الإسلامية».

 ولد عمر بن علي بن سعيد بن محمد البجائي، یيوم الثلاثاء 5 ربيعی الأول 1302ه/الموافق لـ 03 جانفي 1884م، بأحد منازل شارع غيلبان من حي القصبة، واختلف الباحثون المعاصرون حول أصول هذه الأسرة الفنية فمنهم من أرجعها إلى قبيلة صنهاجة الأمازيغية، من خلال اسمه عمر راسم الذي یظهر في كتاباته الصحفية وهو ابن منصور الصنهاجي، حسب تعریيف المؤرخ أبي القاسم سعد االله، في حين اعتبرها الكاتب محمد ناصر في كتابه عمر راسم المصلح الثائر، أنها تنحدر من أصل تركي باعتبار أن لقب «راسم» موجود في تركيای.
عرف راسم بذكائه ومواهبه المتعددة، وحسب الدراسات التاريخية نشأ عمر راسم في أحضان عائلة فنية متوسطة الحال، تنحدر من القصبة وبها كبر وتعلم، وقد أتم حفظ القرآن في سن السابعة، فقد أدخله والده كتاب بابا عثمان بالعاصمة واستطاع التفوق، وبمرور الوقت برز على أقرانه و ظهرت عليه علامة النجابة، مما لفت الأنظار بمسجد سفير وعمره اثنا عشرة سنة، فعينه الشيخ بوقندورة حزابا من سنة 1895م إلى  1915م.
تلقى دروسا في اللغة الفرنسية في مدرسة الشيخ فاتح، لكنه لم یيمكث بها إلا سنة واحدة لأنه طرد منها نظرا لتميزهی بالتفكير الحر، وعندما رأى راسم أن تكوینه غير كاف فعزم على تثقيف نفسه فانكب على المطالعة باللغة العربية واللغة الفرنسية ليكون شخصيته معتمدا على نفسه.
أما تكویينه فكان على یيد والده علي راسم الذي نقل إليه وإلى أخيه محمد أصول الفنون التقليدية الإسلامية، حيث تعلم مبادئ العلوم العربية والإسلامية، كل هذا كان في ورشة العائلة بالقصبة، هذا ما یبين دور عائلته في توجيهه في وقت كانت تعيش فيه الجزائر مخاض النهضة الإصلاحية، وفي سنة 1898م بدأ يشتغل في المطبعة الرسمية، حيث كانت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية، من خلالها احتك راسم بمهنة تطبع جريدة المبشر الصحافة، وكان عمر راسم من المعجبين بفكره الإصلاحي منذ صباه ومن الداعين إلى إتباع أفكاره الإصلاحية، لذلك أصدر عدة جرائد سلكت مسلك الإصلاح.
اشتهر بخطه العربي الجميل، وقدرته على رسم المنمنمات، جزائري في العصر الحديث، ويعتبر أول رسام حيث قام بتأسيس مدرسة أسماها مدرسة الفنون الزخرفية والمنمنمات الإسلامية التي حملت مشعل الإحاء الجزائري الإسلامي.
اشتهرت عائلة راسم بالفن والرسم والفنون الجميلة، كالخط والمنمنمات وكان جده سعيد راسم نفسه فنانا، ویذهب جورج مارسي إلى أن الأسرة قد تكون جاءت من المشرق في وقت غير معروف واستقرت أولا في بجاية، ثم انتقلت إلى العاصمة، وربما تكون هذه العائلة مثل عائلة ابن خلدون.
تعد عائلة راسم من بين العائلات العريقة، التي سعت إلى إبراز التراث التقليدي والانتماء الإسلامي للشعب الجزائري، حيث اهتمت بقضايا الفقر والمحرومين أثناء الاحتلال الفرنسي، غير أن السلطات الفرنسية صادرت ثروتها فاتجه سعيد راسم إلى ممارسة التقاليد، أما والد عمر علي راسم فقد برع في فن النحت والتصویر، حيث برز نشاطه في تزیين العمارة العربية الإسلامية وصناعة الأثاث والمنمنمات، امتلكت هذه العائلة ورشات لتعليم الحرف، حيث تزینت قصور ومباني الكثير من الأثریاء بالأنامل والأشكال الحرفية.
ویعد محمد راسم أكبر من أخيه عمر بعدة سنوات، وقد تخرج من مدرسة العائلة المحافظة واستقى روحها الإسلامية والوطنية، ورغم أنه مر بمدرسة الفنون الجميلة الفرنسية، فإنه لم يتأثر بما فيها وبقي مع أخيه عمر وفيين لتقاليد العائلة والوطن، إذ لاحظ عليه الفرنسيون أنه أدخل حياة الشرق في فنه، حيث كان یمزج في أعماله الفن الفارسي كما كان یوقع لوحاته بالحروف العربية حتى تلك التي تعرض في أوربا أو تنشر في الكتب المتعلقة بالإسلام.
وعائلة راسم ككل العائلات الجزائرية التي اختصت في الحرف التقليدية، ستكون أكثر من غيرها مهتمة بالتدهور والانحطاط الذي بدأ يصيب الفن بعد الاحتلال، منذ سنة 1830م ومن هذا المنظور یمكننا فهم أعمال عمر راسم، حيث كان یستمدها من تقنيات أجداده الخلاقة  لتساعده في جعل حضارة القصبة العاصمية حضارة مزدهرة خالدة.

 استطاع تأسيس مدرسة  الفنون الخاصة به

بفضل إرادة عمر راسم القویة التي تحلى بها، استطاع أن يكون نفسه أحسن تكوين، على الرغم من أن تعلمه اقتصر على بعض الدروس القليلة التي تلقاها في النحو ودروس في اللغة الفرنسية في مدرسة الشيخ فاتح، فانكب على المطالعة باللغة العربية والفرنسية،لاسيما وأنه ذاق حلاوة العلوم والأدب والتاریخ وعاصر بداية الصحافة وانتشار مدرسة التجديد الإسلامي وحركة الجامعة الإسلامية.
فبعدما بلغ عمر راسم سن الرابعة عشر وقع حادث «ماكس ریيجيس» مع اليهود ویعتبر هذا الحادث أحد الدوافع التي جعلته يهتم ويتابع الأحداث السياسية في الصحف، ونظرا لرفضه وعدائه الشدید للاستعمار خاصة اليهود الصهاينة في العالم وفي الجزائر على وجه الخصوص، كانت مشاركته في الصحف العربية كالمرشد ومرشد الأمة التونسيتين دعا فيهما إلى محاربة الاستعمار، والمطالبة بحقوق المسلمين الجزائرين.
من هنا أدرك عمر راسم أن القطر الجزائري في حاجة إلى صحافة وطنية تدافع عن حقوق الجزائرين وتقاوم النزعة الاستعمارية، فعزم على إصدار جريدة باسم «الإصلاح» لنشر أفكاره وآراءه الإصلاحية، غير أن العجز المادي وقف به دون تنفيذ هذا الغرض النبيل إضافة إلى تدهور الإعلام الوطني في تلك الفترة.
 سافر عمر راسم إلى المشرق وشاهد التيارات الموالية والرافضة للتبعية العثمانية والنهضة الاستعمارية، وكان رائدا في التحذير من التغلغل الصهيوني، فقد كان من المعجبين بحركة الأمير خالد، كما خاب أمله في بعض الرموز الوطنية التي كانت تطفو ثم أغرقها الاستعمار بأدواته المعهودة، وكان غرض راسم من هذه الرحلة هو الاحتكاك ببعض الشخصيات الأدبية والعلمية والسياسية.
كان راسم بارعا في الفن، فقد تعلمه بفطرته على يد والده وعمه، حتى غدا أستاذا في الرسم والخط، واستطاع تأسيس مدرسة الفنون الخاصة به، أطلق عليها اسم مدرسة ‘’الفنون  الزخرفية والمنمنمات الإسلامية، فقد كان عميدا للمدرسة في فن التهذیب والخط، وكذلك المنمنمات، وكان نشطا في هذا الميدان منذ 1937م، وشارك في اتحاد فناني شمال إفریقيا، وكان یعرض أعماله في صالونات خاصة، ثم تفرغ إلى القرآن الكريم على الخصوص.
تأثر بما فعله الإستعمار من قمع واغتصاب للأراضي وإصدار القوانين الجائرة على الجزائريين، كما عاصر بوادر قيام الحركة الوطنية والأفكار الإصلاحیة بداية من القرن العشرين، فتأثر بالأفكار الإصلاحية القادمة من المشرق والتي كانت تسعى لتغيير أساليب الإدارة الاستعمارية. كما أن الحرب الاستعمارية التي شنتها فرنسا على الجزائر قد تركت انعكاسا خطيرا ونتائج سلبية على الميدان الثقافي والتعليمي، اللذين شهدا ازدهارا في فترة ما قبل الاستعمار، لذلك أظهر الأوروبيون عداوتهم للمدارس الجزائرية بدعوى أنها تشكل خطرا.

  دافع عن الأصالة العربية الإسلامية، ومهاجمة كل من یحاول تشو يهها

فاتخذ من الصحافة والجمعيات والنوادي مثل الجمعية التويفيقية، والجمعية الرشيدية سبيلا للوصول إلى حث أبناء وطنه للدفاع عن حقوقهم المغتصبة، فقد دافع عن  فكرة واحدة وهي الأصالة العربية الإسلامية، ومهاجمة كل من یحاول تشویهها، زد على ذلك اعتزازه بالماضي، كما ساهم في توسيع دائرة المعارف الإنسانية، ومن هذه السياسة التعسفية، كان لابد للمصلحين الجزائريين، أمثال عمر راسم الدفاع عن مقومات الأمة الجزائرية عن طريق الكتابة الصحفية، التي اعتبرها الطليعة اليقظة التي بواسطتها یيقضي على المخطط الاستعماري، فكانت المقالات الصحفية تدعو الجزائريين إلى التشبث بمقوماتهم العربية الإسلامية.
من هنا نجد عمر راسم یحارب نزعات الدروشة، ومظاهر التواكل والخمول التي في معظم نواحي القطر الجزائري، فقد عششت في زوايا بعض الطرق المنحرفة وباتت وباء كان یردد جملته الشهيرة الأحذية أولا ثم الصلوات بعد ذلك فهو بذلك یحث الشعب  الجزائري على التمسك بدينهم تمسكا حقيقيا وفهمه فهما نقيا، وخاليا من الخرافات والأوهام.
استخدم عمر راسم في مناشدته لهذه المقاومة كتابات في صحفه، من بينها مجلة الجزائر التي أصدرها في 1908م، كان من أهدافها توعية الشعب الجزائري وتثقيفه واطلاعه على أسرار السياسة الداخلية والخارجية.
بعدها انتقلت هذه الحركة الإصلاحية إلى الجزائر وظهرت الصحف والمجلات فكتب لعمر راسم أن يكون من المشاركين في كتابة الصحف التي تطالب كلها بالإصلاح، وتدعو الشعب الجزائري إلى الثورة على المعمر للخروج من تلك الأوضاع المزرية التي نشأ فيها  وجريدة ذو الفقار 1913، ومن بين الصحف التي حملت هذه المهمة نجد جريدة الحق 1893، وكوكب افريقيا 1907، وغيرها من الصحف العربية.
على هذا الأساس ذكر عمر راسم بأن القطر الجزائري في حاجة إلى التعليم من أجل  محاربة مظاهر الاندماج، وأعاب على النخبة المتفرنسة انقيادها الكامل للمدينة الأوربية.
تعرض عمر راسم في آخر حياته لحالة نفسية من الخيبة والإضطراب، الذي جعله یفقد الثقة في الناس وینعزل عنهم، شخص سریع الغضب یيثور بسرعة ميال إلى الوحدة والحزن واليأس، الذي جعله یوقع خطاباته بتواقيع غريبة كاليائس، نتيجة السجن والتعذیب الذي تلقاه هذا الرجل الذي قضى جلّ حياته في الدفاع عن ثوابت شخصية الجزائر والجزائريين ومحاربة الظلم والاستعمار، توفي وحيدا شريدا ینهشه المرض في غرفته الخاصة لا زوجة، حيث وافته المنية يوم الجمعة 13فيفري1959م عن عمر یناهز75سنة قبل أن یتحقق حلمه في استقلال وطنه.
دفن رحمه االله بمقبرة سيدي عبد الرحمان الثعالبي بالعاصمة وشيعت جنازته وسط جمهور كبير من معارفه والمعجبين بفنه ونضاله.