طباعة هذه الصفحة

في الذكرى ٦٢ لاستشهاد علي لابوانت، حسيبة بن بوعلي، محمد بوحميدي وياسف عمر بالقصبة

«الرباعي» رفض الاستسلام للجنرالين السفاحين ماسو وبيجار

جمال أوكيلي

المجاهد محمد عبد اللاوي: تفكيك النظام الهرمي للعمل الفدائي لم يمنع من تكثيف النشاط المسلّح

لن أقع فريسة سهلة المنال في أيدي الجنرالين السفاحين ماسو وبيجار هكذا أقسم الشهيد علي عمار المعروف بالاسم الثوري «لابوانت» أمام إخوانه المجاهدين الأشاوس، ففي كل مرة كان يكررها على مسامع رفقاء دربه الأبطال على أن يقاوم غطرسة «القوات الخاصة» وهمجية «قادتها» إلى آخر قطرة من دمه.

هكذا ففي يوم ٨ أكتوبر ١٩٥٧ وجد هذا الفدائي نفسه محاصرا رفقة حسيبة بن بوعلي، محمد بوحميدي، بتي عمر، وهم أربعة صناديد رفضوا الاستلام ذهبوا ضحية وشاية بعد إلقاء القبض سريا على أحد مسؤولي الخلايا الذي يدعى قنتريش الذي أبلغ تحت تعذيب شديد بمخابئ ياسف سعدي، علي لابوانت ورمال واسمه الحقيقي حاجي عثمان.
النظام الهرمي للعمل الفدائي بالمنطقة الحرة هو الذي أدى إلى الحملة الواسعة من كشف المسؤولين المباشرين على النشاط المسلح والخطأ هنا هو أن المناضلين لا يعرفون قادتهم من القاعدة إلى القمة والعكس، هذا الفراغ التنظيمي غير المتوقع هو الذي أدى إلى انقطاع الاتصال مع قنتريش الذي كان في الاعتقال وهو يتصل بياسف وغيره تحت إمرة الضباط الفرنسيين، دون أن يعلم سعدي وغيره وتم على إثر ذلك كشف أماكن الجميع بما فيهم قائدهم الذي كان ينتقل ما بين ٣٦ مخبأ..لم يشفع له ذلك عندما اعتمدوا نظام الحواجز الوهمية بين الفدائيين أنفسهم.
في هذا السياق، كشف لنا المجاهد محمد عبد اللاوي الناشط في الخلايا الـ ٦ بالقصبة والذي كان تابعا لسليمان قطام، أن تداعيات استشهاد الفدائيين الـ ٤ وإلقاء القبض على سعدي كانت فعلا مؤثرة إلى درجة لا توصف على الجميع وأصبحت هذه القلعة الصامدة بدون قيادة تشرف على العمل الفدائي، وهكذا أمام مداهمات التفتيش المتواصلة بحثا عن الفدائيين إلتزم جميع أماكنهم إلى غاية صدور تعليمات جديدة، وتبعا لذلك طلب من هؤلاء الالتحاق بمعاقل الثورة في الجبال، الكثير غادروا العاصمة، وهناك من بقي هنا إلى غاية إعادة تنظيم العمل المسلح وإسناد هذه المهمة إلى بوسماحة، حسان، وعز الدين التسيير يكون من الولاية الثالثة.
أفاد المجاهد عبد اللاوي أن حسن قنتريش نقل إلى بيت في حي طنجة حاليا، وبقي هناك لفترة طويلة وخلال تلك الأثناء قام الضباط الفرنسيون بالضغط عليه نفسيا عندما زارته عائلته، حيث طلب من زوجته عدم الكشف عن مكان تواجده وفي حالة تسرّب المعلومة ستتعرض لعواقب وخيمة، هذا الإخفاء هو الذي جعل سعدي يجد نفسه معزولا .. كل اتصالاته انقطعت كما أن الفدائيين الـ ٤ الذين استشهدوا كان مقررا أن لا يبقوا في القصبة بل يذهبون إلى الجبل لكن الأقدار سبقتهم وأريد أن يكون مصيرهم هكذا .. سقطوا في ساحة الشرف.
وهكذا كلفت الولاية الرابعة المنطقة الـ ٧ بالإشراف على المنطقة الحرة، وسعى المسؤول الجديد الضابط عبد القادر جباري إلى تحريك الوضع النضالي في هذا الفضاء  على النطاق الجغرافي والإقليمي من القصبة إلى الحراش، عين البنيان والشراقة.
خلال هذه الفترة اشتد العمل المسلح ضد أذناب الاستعمار من مخبرين ومتعاونين وغيرهم ممن كان يكن الحقد الدفين للجزائريين، كما تلقى إرهابيو منظمة الجيش السري ضربات قاتلة على أيدي الجزائريين.
ماتزال ذاكرة المجاهد عمي محمد عبد اللاوي خصبة تستحضر شريط الأحداث التاريخية البارزة التي صنعها وعاشها رفقة مجاهدين آخرين بالرغم من بلوغه من السن عتيا لكن التفاصيل ماتزال واضحة في ذهنه يجيب عليها فورا دون أي انتظار أو تردد.
في هذا الاطار، أوضح بأن ياسف سعدي اقترحه المناضل أحمد بوزرينة والذي يعرف باسم « إحديدوش» وأبلغ الجميع بأنه من عائلة ثورية يمكن الاعتماد عليه علما أن محمد فرحاني هو الذي كان مسؤولا عن الجزائر الكبرى ومن قدامى مناضلي حزب الشعب.
ينفي عبد اللاوي نفيا قاطعا أن يكون ياسف سعدي قد وشي بعلي لابوانت لدى السلطات الفرنسية كل ما في الأمر ان قنتريش كان وراء تلك الحادثة عندما تم إعتقاله دون علم الآخرين على غرار مايتداول عند البعض من الناس ولتأكيد ذلك فقد اعترف سعدي عند محاكمته بأنه المسؤول الأول عن العمليات الفدائية التي وقعت بالعاصمة.
يتذكر عبد اللاوي انتقام المعمرين الغلاة من الجزائريين العزل عندما وضعوا عبوة ناسفة شديدة المفعول بشارع «دي تاب» أودت بحياة 73 شخصا بالمكان المسمى
«صبات القطوطة» ولم تبق أيدي القيادة العسكرية مكتوفة الأيدي بل ضربت هؤلاء في الصميم وهذا بقتل  11 منهم، ولاخفاء هذه الجريمة النكراء والمجزرة البشعة راحت الصحافة الكولونيالية تفبرك الأكاذيب بادعائها بأن مستودعات الذخيرة التابعة للفدائيين انفجرت في الوسط السكاني، محدثة تلك الوفيات.. واستنادا الى المجاهد عبد اللاوي فإن محافظ الشرطة المدعو « بن حمو» هو الذي أرسل أنصاره ليلا للانتقام من الجزائريين ومحاولة التأثير المعنوي على الفدائيين ودفعهم للكف عن المقاومة.
هذه الحادثة المؤلمة أدخلت حي القصبة في حداد وخيّم جو من الحزن ولم يعد هناك بديل آخر ماعدا الانتقام لتهدئة من روع وهول النفوس والأشخاص بالرفع من وتيرة العمليات ضد المتطرفين والتابعين لهم.
كان المجاهد محمد عبد اللاوي  يعمل على عدة جبهات تارة ضمن الفوج الفدائي المنتمي إليه وتارة أخرى يقوم بنقل المطلوبين لدى البوليس الى الجبل، وبالأخص الى الولاية الثالثة الى غاية القائد لوناس العمروني بين كاب جنات بدلس وبرج منايل بجبال أولاد اسمير، كما وضع مناشير جبهة التحرير الوطني بصناديق البريد التابعة للفرنسيين.
عندما ألقي عليه القبض نقل الى» فورامبرور» ليضع في الغياهب الأرضية لفترة 4 أشهر و 15 يوما، وهنا يشهد كيف قتل السفاح جان ماري لوبان  6 جزائريين من منطقة أزفون وهم مروان محمد، مروان علي، بوجمعة عمار، سعيد عمارة، عمر أدار، وأحمد عرشي، كما عذب الكثير من الجزائريين حتى الموت.