طباعة هذه الصفحة

من أعلام الجزائر في القرن العشرين

الشيخ مبارك الميلي دعا لإصلاح المجتمع والتحرر من قيود الشعوذة

س. بوعموشة

الشيخ مبارك بن محمد إبراهيمي الميلي من أعلام الجزائر ومصلحيها الأجلاء،  وممن أثنوا عليه من العلماء ، تلميذه الشيخ أبو بكر الأغواطي رحمه الله تعالى: الذي قال عنه «عرفنا من الأستاذ مبارك الميلي -رحمه الله- صفات قلَّ بيننا اليوم من يتَّصف بها، وهي التي جعلت منه علمًا من أعلام نهضتنا، ورجلًا من خيرة رجالنا،  وحبّ العمل والجدّ فيه، وتحمّل الأعباء والمصابرة على تحقيق أهداف عليا، وكلها ترجع إلى متانة خلقه وصدق عزيمته وسداد تقديره ومحكم تدبيره».

من مواليد قرية أورمامن الموجودة بجبال الميلية دائرة سطارة ولاية جيجل، بتاريخ 26 ماي1895 م، وهناك من يقول سنة 1898 م الموافق لسنة 1316 هـ، بدأ تعليمه بأولاد مبارك بالميلية تحت رعاية الشيخ أحمد بن الطاهر مزهود حتى أتم حفظ القرآن ثم انتقل إلى مدينة ميلة وكانت آنذاك حاضرة علمية كبيرة، فواصل تعليمه بها بجامع سيدي عزوز على يد الشيخ المعلم الميلي بن معنصر ولم يتجاوز آنذاك السن الثانية عشرة.
لقد حالفه الحظ رفقة مجموعة من التلاميذ من حفظة القرآن الكريم وتعلم بعض مبادئ اللغة العربية، تحمّل قسوة التعذيب الجسدي المعتاد في الكتاتيب، وتلك التجربة المؤلمة حملته على البحث عن أساليب ومناهج تعليم تجلب العديد من التلاميذ وحتى الكبار ليصل إلى مبتغاه ويبتعد عن البؤس والأعمال الشاقة في الغابة مثل باقي الشبان الآخرين، مثلما يذكر جيلالي صاري في كتابه «بروز النخبة المثقفة الجزائرية» 1850-1950» .
وأضاف صاري أن مبارك الميلي حاول طلب العلم في أي مكان وعن قصد إختار الذهاب إلى مدينة بعيدة عن مسقط رأسه وهي الأغواط التي مكث بها سبع سنوات من عام 1927 إلى 1933، فكانت تلك السنوات مصدر تجربة مميزة تمثلت في نشر تعليم اللغة العربية بمنهجية مغايرة. كما وصل في مدرسته الحرة المسماة بـ «الشباب» إلى تقديم تعليم جذاب ومشوق للصغار والكبار، وضاعف الجهد ووصل إلى كتابة عمل أساسي لتاريخ الجزائر بعنوان: «التاريخ القديم والحديث للجزائر 1928-1932.»
وفي وقت قصير صار هذا الكتاب مع كتاب أحمد توفيق المدني مرجعين نموذجيين في توضيح وتجسيد التعاليم التي تنشرها جمعية العلماء المسلمين، مع التشييد التدريجي للمؤسسات التعليمية التي بدأت تتكاثر عبر التراب الوطني، لقد كانت الإقامة في الأغواط مفيدة جدا طيلة هذه السنوات المصيرية، حيث أرغم على مغادرتها بسبب عمله الإصلاحي وتوجه إلى بوسعادة بعدها انتقل إلى مدينة ميلة، أين استنهض الهمم وعلّم سكان المنطقة الإجتهاد في الدراسة وحب العمل، كما اجتهد في كتابة مرجع آخر سنة 1937 وهي رسالة مخصصة للجمعوية وأشكالها المتعددة والتي تحارب الشعوذة.
وهو الكتاب المذهبي الوحيد الذي أنتجته جمعية العلماء المسلمين، كما تمكن من كتابة أول عمل ثمين في علم اللغة وهو كتاب للتعليم والمطالعة لكل المتعطشين للعلوم ومعرفة تاريخهم عبر المراحل، وهو مكتوب بأسلوب بسيط وخال من الكلمات المعقدة.
لقد وصل مبارك الميلي إلى قمة هرم الجمعية انطلاقا من أصوله وثقافته ونشاطاته المهنية ومسؤولياته العديدة المباشرة داخل تلك الجمعية، وهذا توازيا مع أعمال مميزة للتعليم والدراسات النظرية، أضف إلى ذلك أنه كان تلميذا ومساعدا قريبا من الإمام ابن باديس قبل تأسيس الجمعية.
كان يتابع دروسه في المسجد الأخضر ويترأس الحركة الإصلاحية بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس، كان الميلي أمين المالية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، منذ نشأتها، ورئيس تحرير جريدة «البصائر» الأسبوعية بعد أن تخلى عنها الشيخ الطيب العقبي رحمه الله، فاضطلع بالمهمّة وقام بواجبه أحسن قيام.
وبسبب مرض السكري المزمن الذي كان يعاني منه منذ سنوات طويلة توفي الميلي، وهو لا يتجاوز 47 سنة بتاريخ 9 فيفري 1945، تاركا وراءه رسائل كثيرة لمعاصريه وللأجيال القادمة رسائل تحثهم على متابعة وتعميق الوسائل المنقذة للنهضة.  من أهم مؤلفاته كتاب «تاريخ الجزائر في القديم والحديث»، كتاب «الشرك ومظاهره»، مقالات بحوث كتبها في جريدة «الجمعية».