احتلّت مكانة في تاريخ الصّحافة العربية في الجزائر

«الأمّة»..جريدة دافعت عن الهويّة وفضحت الاستعمار

سهــام بوعموشــة

 ظهرت صحفٌ للدّفاع عن الهوية الإسلامية الجزائرية إبان الحقبة الاستعمارية في ظروف صعبة، ميّزها تسارع الأحداث بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، منها جريدة «الأمّة». عالجت قضايا متنوعة منها القضايا الوطنية من 1934 إلى 1938 مثل قضايا الإصلاح الشامل الديني، الاجتماعي، الأخلاقي، الثقافي، التربوي، والسياسي مثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والمؤتمر الإسلامي الجزائري واهتمامها بحزب الشعب.واهتمّت بمسألة الإدماج والتجنيس والتبشير، وكل ما تعلق بأساليب السياسة الفرنسية، وفضحها والتحذير منها، وهذا ما كلّفها التعطيل والمصادرة.

هي سابع جرائد الشيخ إبراهيم أبو اليقظان، اكتسبت طابعا خاصا سواء من حيث الأسلوب أو الهدف أو المنهج.
كانت تصدر يوم الثلاثاء من كل أسبوع باللغة العربية في أربع صفحات لصاحبها إبراهيم أبو اليقظان، صدر العدد الأول منها بتاريخ 8 سبتمبر 1933.
توقّفت سنة كاملة ثم صدر العدد الثاني يوم 25 سبتمبر 1934، وواصلت الصدور بانتظام إلى يوم 7 جوان 1938، صدر منها 170 عددا، عالجت موضوعات هامة إلى أن توقّفت عن الصدور.
حجمها حجم جريدة «الشعب»، وفي نفس حجم جريدة «وادي ميزاب» أو الجرائد المصرية الحالية، الفرق الواحد بينها وبين جريدة «وادي ميزاب» هو العنوان الذي يميز بين الجريدتين. صدرت في أربع صفحات، كتب في الصفحة الأولى عنوان جريدة «الأمّة» بحروف بارزة ثم كتب بخط صغير العنوان بالفرنسية Journal Elouma.
نجد اسم المدير وعنوان الإدارة بالعربية والفرنسية، وعلى اليسار نجد قيمة الاشتراكات في الجزائر، وبلدان المغرب العربي.
حدّدت الاشتراكات كما يلي: الجزائر 40 فرنكا عن 50 عددا، و25 فرنكا عن 25 عددا، المغرب العربي 45 فرنكا عن 50 عددا، 30 فرنكا عن 25 عددا، في سائر الأقطار الأخرى 50 فرنكا.
وكتب أبو اليقظان العبارة «جريدة عربية تصدر كل يوم ثلاثاء».
رتّبت الجريدة برقم تسلسلي بالعربية والفرنسية، وبخط عريض يكتب عناوين المقالات التي يحتويها العدد، وتمثّل فهرسة للعدد.
ويمكن الإطلاع على محتوى الجريدة من خلال هذه العناوين، أي ما يشبه الصفحة الأولى في جرائد اليوم.
ضايقت سلطات الاحتلال الجريدة، وأوقفتها سنة كاملة لإسكات صوت أقلامها.
يؤكّد الأستاذ خيري الرزقي من جامعة عبد القادر للعلوم الإسلامية في دراسة حول الجريدة وموقفها من القضايا الوطنية، أنّ صحافة الشيخ أبي اليقظان احتلت مكانة متميزة في تاريخ الصحافة العربية في الجزائر.
وصلت في مجموعها إلى ثماني جرائد، وغطّت المواضيع المتعلقة بتطور القضايا الوطنية الجزائرية.
يشير الباحث إلى أنّ أولى جرائد أبو اليقظان كانت في 1926 وآخرها في 1938، ومن أطول جرائده عمرا كانت جريدة «الأمة» التي صدرت في 170 عددا.
وغطّت فترة حرجة قبيل الحرب العالمية الثانية، أين تسارعت الأحداث، وطرحت مسائل متعدّدة على جميع الأصعدة.
ويوضّح الأستاذ خيري، أنه من خلال جريدة «الأمّة» أراد الشيخ أبو اليقظان إثبات أن هذا الوطن واحد ويهتم بآماله وآلامه، وفضح المؤامرات الخارجية عنه، وإطلاع القارئ في المغرب العربي على أحوال إخوانه في الجزائر.
وتبرز الدراسة أنّ من أهداف الجريدة إيقاظ الأمة الجزائرية، بمعالجة مشاكلها وتطهير المجتمع الجزائري من مفاسد الأخلاق، وتوجيهه توجيها سليما، وتكوين المجتمع الجزائري تكوينا صحيحا بغرض اكتساب الأخلاق الفاضلة والأفكار الصحيحة.
ويشغل الحيّز الأكبر من صفحاتها موضوع بناء الشخصية العربية المسلمة، وحمايتها من الشعوذة والبغاء التي زرعها الاستعمار، حسبما تؤكّده الدّراسة.
ويشير الباحث خيري إلى أنّ جريدة «الأمّة» اتّبعت أسلوبا معيّنا في التحرير الصحفي لمخاطبة القرّاء، وهو الاختصار في الكتابة وعدم الإطالة تفاديا للملل والإكراه لدى القارئ، والكتابة على وجه واحد من الصفحة وبخط واضح.
كتبت المقالات والمواضيع على شكل أعمدة مستطيلة وموقّعة سواء بالاسم الصحيح أو المستعار، مع وجوب ترك الاسم الحقيقي في الإدارة، عدم الخروج عن منهج الجريدة والالتزام بالنزاهة والاعتدال، مع تحاشي الأشخاص والشخصيات أو الكتابة في المواضيع الفارغة.
وهي جملة من الضّوابط التي فرضها إبراهيم أبو اليقظان على صحفي جريدة «الأمة»، وباقي جرائده حفاظا على مصداقية المعلومة التي تقدّمها الجريدة، وعلى جدية المواضيع التي تطرح للنقاش والحفاظ على حياة الجريدة كي لا تصطدم مع الإدارة الفرنسية.

 أقلام من الحركـة الإصلاحيـة والوطنيـة ومن الخـارج

من أبرز كتّابها أبو اليقظان من الجزائر، وسعيد عدون، الشيخ بيوض إبراهيم بن عمر من القرارة، مفدي زكريا ومحمد داودي عطاء الله من غرداية، أبو امرئ القيس الجيلالي من وهران وعبد الحميد بن باديس من قسنطينة.
إضافة إلى مصالي الحاج وجلواح العباسي من الجزائر، بن الحاج بكير بن أحمد وأبو الحسن علي بن صالح وأبو إسماعيل محمد من غرداية، محمد العيد آل خليفة وزهير الزاهري ومحمد السعيد الزاهري من بسكرة.
ومن خارج الجزائر مصطفى صادق الرفاعي، محمد حسين هيكل، أنور الشفري من مصر، بشارة الخوري وشكيب أرسلان من لبنان، سليمان باشا الباروني ومحمد الأخضر الغساني والطرابلسي من ليبيا، محمود بورقيبة من تونس،الإمام الخليلي من عمان، محمد عبد الهادي، المكي بن دريس.
امتازت هذه الأقلام بالجدية، فهناك كتّاب دائمون ومختصّون في نوع معين من المقالات نظرا للظروف السّائدة والرقابة الاستعمارية على الصحافة العربية، فمنهم من كتب باسمه ومنهم من كتب باسم مستعار أو اتخذ رمزا معيّنا.
وكان الكتاب من داخل الجزائر يكتبون في الأركان القارّة بالجريدة، إضافة إلى وجود مراسل أو معتمد في الدول المجاورة أو من دول المشرق العربي مثل مصر، عمان، لبنان..وغيرها من الدول.
شاركت الأقلام الصّحفية في النهضة الفكرية الجزائرية ما بين الحربين العالميتين، وساهمت في نشر وعي الحركة الوطنية الجزائرية في أوقات صعبة.
فتحت الجريدة الباب لمن يريد المساهمة في الإثراء والتنشيط الأدبي والمعنوي، وكتبت الجريدة: «..نرجو من فحول الكتاب وحملة الأقلام أن يؤدّوا اشتراكهم الأدبي لها بأن يوافوها بنفحات أقلامهم، وسحر بيانهم في المواضيع الهامة التي تدخل في منهج الأمة».
كانت الجريدة تطبع في المطبعة العربية التي أنشأها صاحبها أبو اليقظان منذ صدورها بالرغم من محدودية إمكاناتها ووسائلها البسيطة.
ويشير تقرير الشرطة الفرنسية إلى مصادرة 900 نسخة من المطبعة العربية، ويشير الأستاذ خيري إلى أنه من الممكن أن تكون هناك أعداد كثيرة وزّعت قبل المصادرة.
الجريدة كانت ملمّة بجميع الميادين الوطنية والدولية والعالمية والعربية، وفي نواحي عدة منها الدين، السياسة، الثقافة، المجتمع والاقتصاد.
كانت تتابع القضايا الوطنية بالتفصيل وفي الفترة 1934 و1938، إضافة إلى تطرّقها إلى القضايا ذات الطابع العربي خاصة القضية الفلسطينية، ودول العالم الإسلامي.
 

محاربة الجهل وفضح المستعمر
 

لم تهمل الجريدة السّياسة الاستعمارية وفضحها في الداخل، وعن عدد المستثمرين في الجريدة هناك تقرير لمسؤول مقاطعة الأغواط يؤكّد ارتفاع عدد المشتركين في 1935 إلى 61 بست مدن ميزابية.
وحسب المصادر التاريخية، شكّلت الشخصية العربية المسلمة الجزائرية المحور الأساسي الذي دارت حوله موضوعات الجريدة، وكيفية بنائها وتطويرها تصديا لسياسة المستعمر الرامية إلى طمسها.
يقول الشيخ إبراهيم أبو اليقظان أنّه ركّز على الأخلاق: «فقد لمست مكان الضعف من الأمة في تلك الظروف الحرجة، فوجدت ضعفها هو ناحية الأخلاق..فندّدت بمعوج الأخلاق وأعلنت من شأن القويم منها».
وركّزت أيضا على محاربة الجهل الذي أصبح يهدّد بناء الشخصية، فاهتمت بالتعليم العربي واختارت مواضيع بمناسبات منها الدخول المدرسي، نهاية الموسم الدراسي، احتفالات المدارس الإصلاحية.
ومن العناوين في هذه الموضوعات نجد رياض العلم، اختلال التعليم الفرنسي في بلدة العطف، الحركة الأدبية الحديثة في الجزائر، ما أعددنا لموسم العقول، إذا كان في الجوع موت الجسد ففي الجهل ممات الروح، أسبوع اليقظة والحياة بمدينة قسنطينة، وغيرها من المواضيع.
وكانت الجريدة تنشر التحقيقات حول الأنشطة الثقافية في الجزائر، وتتابع مؤتمرات طلبة الشمال الإفريقي سواء المنعقدة في الجزائر، تونس، فاس أو باريس.
نشرت الحفلات المدرسية منها حفلات الشبيبة الإسلامية والجمعيات الخيرية الإسلامية، وحفلات جمعية الحياة بالقرارة، الإصلاح بغرداية والجمعية الإصلاحية بوهران، ومدرسة تهذيب البنين والبنات في تبسة ونادي الإصلاح في باتنة.
من أجل الحفاظ على هوية الفرد الجزائري وقفت الجريدة ضد سياسة الإدماج والتجنيس، فقد كتب أبو اليقظان «حذار من الانحدار في هوة الإدماج».
اهتمّت بالحركة الإصلاحية في المجتمع، فنشرت مقالات عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأهدافها ونشرت مقالات لإبن باديس، العربي التبسي، محمد خير الدين ومبارك الميلي.
وتابعت نشاطات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والمؤتمر الإسلامي، ونقلت بشكل دقيق ظروف اعتقال الطيب العقبي وعباس التركي بعد حادثة اغتيال مفتي الجزائر محمود بن دالي إلى غاية إطلاق سراحهما.
ومن أكبر القضايا الإصلاحية ذات الطابع الفقهي التي ناقشتها جريدة «الأمة» هي قضية الإفطار والصوم بالهاتف، إضافة إلى معالجتها لحوادث قسنطينة في 1934 بين المسلمين واليهود، وقضية حل حزب الشعب واعتقال مصالي الحاج.
ودعا أبو اليقظان عبر صفحات الجريدة إلى إمكانية تأسيس حزب وطني جزائري، يضم كافة الفعاليات السياسية وبقيادة موحدة ضد دسائس اليهود والمعمرين.
استقطبت الجريدة كتابا وشعراء، وكانت اللسان الرسمي للأحزاب الوطنية، ما عرّضها للمضايقات والملاحقات والمصادرة.
ورافع أبو اليقظان من أجل قضايا حزب الشعب الجزائري ذي النزعة الاستقلالية الصريحة، وكان له موقف من حجز السلطات الفرنسية لجريدة «الشعب» في عددها الأول، في العدد 131 الصادر بتاريخ 27 جويلية 1937.
ونشرت الجريدة كلمة لمصالي الحاج، الذي أظهر خطة حزب الشعب، وأنه يعمل على تحرير الجزائر تحريرا تاما، وفي العدد 135 الصادر بتاريخ 24 أوت 1937 نشرت بيانا للجنة الدفاع عن فلسطين العربية التابعة لحزب الشعب، تحتج فيه على إهانة أعضائه بعد جمعهم مبالغ مالية لفائدة فلسطين، وفي العدد 136 بتاريخ 27 سبتمبر نشرت خبر اعتقال مصالي الحاج وخمسة من أعضائه وهم مفدي زكرياء، محمد مصطول، الحسين لحول، إبراهيم غرافة، عمر بن خليفة، بحجة أنهم أعادوا إحياء نجم شمال إفريقيا المحل، وكان بقلم أبو اليقظان.

 تهمة الشّيوعية والمصادرة..

 تمهيدا لمصادرة الجريدة، لفّق الحاكم العسكري لمدينة المنيعة تهمة الشيوعية للجريدة ومنعها من التداول في المنطقة لأن لهجة الجريدة، ووطنيتها لم تعجبه.
وردّ أبو اليقظان «..إنّها بلية طالما اصطدمنا بها مع الإدارة مع أنّنا براء من ذلك، وطالما أعلنا على رؤوس الملأ بأنّ جريدة الأمة العربية يا سادة ليست جريدة الأمة الفرنسية، والفرق بينهما واضح كالفرق بين الشرق والغرب، والجزائر وباريس».
كان قرار المصادرة بتاريخ 16 مارس 1938 عن الولاية العامة بالجزائر، وباقتراح من الأمين العام للحكومة، والذي نشر مقالا بعنوان: «داء المسلمين ودوائهم ممنوع من التداول والبيع والتوزيع في كامل تراب القطر الجزائري، لأنّ ذلك المقال موجه توجيها صريحا ضد السيادة الفرنسية».
وكان ابن باديس من الأوائل الذين ندّدوا بتوقيف الجريدة مباشرة بعد اتخاذ القرار من قبل الإدارة الاستعمارية، وعبّر عن موقفه في جريدة «الشهاب» بقوله: «جريدة الأمة خلف جرائد عدة كلها استشهدت في سبيل واجبها والأستاذ أبو اليقظان في كل مرة يتحمل من أضرار مالية وأدبية ويعود للجهاد، وقد عطّلت الأمة مثل أخواتها، فضمّت وساما جديدا إلى صدر الأستاذ».
وأضاف: «ننتظر من همّته ومضائه أن يطلع على قرائه في أمد قريب، إنّه من الظلم والاحتقار للصحافة العربية أن تبقى هكذا تحت سيف التعطيل دون سؤال ولا جواب، وإنّنا لنرجو أن يعاد إلى الحق والإنصاف يوما ما، فتعامل الصحافة العربية معاملة قانونية ويحاكم المخالف للقانون، ففي ذلك الإنصاف والاحترام وهو أساس كل ودّ ووئام».

المصادر:
أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج5.
أبو اليقظان، الأمّة تعود بعد الاحتجاب، الأمة، العدد 02، بتاريخ 25 سبتمبر 1934، السنة 1، ص1.
الزبير سيف الإسلام، تاريخ الصحافة في الجزائر، ج6.
محمد ناصر، أبو اليقظان وقضايا الإسلام والمسلمين، مجلة الثقافة، العدد 2.
الأستاذ خيري الرزقي، جريدة الأمّة للشيخ إبراهيم أبو اليقظان وموقفها من القضايا الوطنية الجزائرية 1934-1938.
 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024