شاهـد علـى بشاعـة الاستعمـار يـروي لــ «الشعــب»:

فرنسا قصفـت آيت يحيى موسى بــــ «النابالم»

تيزي وزو: نيليا - م

 عادت ذكرى 1 نوفمبر 1954 الثامنة والستين، لتعود معها أحداث ثورة التحرير التي سجلت تاريخا بأحرف من ذهب، وتكون أعظم الثورات في العالم..ثورة ما تزال أحداثها محفورة في أذهان المجاهدين الذين عاشوا أحداثها، وكانوا جزءا لا يتجزّأ من تاريخها، وما تزال عالقة في أذهان مختلف فئات المجتمع الجزائري، من خلال الشهادات التي قدّمها كثيرون حول أحداث ومعارك دفع الجزائريون فيها النفس والنفيس من أجل استعادة السيادة الوطنية.

 منطقة القبائل شأنها شأن المناطق الأخرى، أعطت درسا للمستعمر في صمودها لسنوات ومقاومتها لمختلف أشكال القهر والحرمان والتعذيب، الذي ما يزال محفوظا في الذاكرة، فلا يذكر إلا وتترقرق الدموع من عيون أولئك الذين عاشوا جحيم التعذيب، والتفنن في الاستنطاق، حيث لم تترك فرنسا وسيلة أو طريقة إلا وجربتها على أجساد الجزائريين، رغبة منها في تحطيم الإرادة في تحرير الوطن.
معارك ثورة نوفمبر هي أكبر من أن تسعها الكتب أو ترويها الأقلام، ولكن يأبى التاريخ إلا أن يخرج للعلن ليسرد حقائق دفينة استشهد أبطالها، في حين بقي مجاهدون يسردونها كلما تجدد الموعد مع التاريخ الذي يفتخر به الجزائريون، كيف ونحن بلد المليون ونصف المليون شهيد وثورتنا أكبر من أن يتجاوزها الزمن.
الحديث عن التاريخ، يدفعنا في كل مرة للبحث عن شهود عيان، أو عن أبطال تلك الملاحم التاريخية الذين عادة ما نجدهم سقطت كثير من الأحداث من ذاكراتهم، غير أنّ أحداث ثورة التحرير، ظلت راسخة فيعبّرون كلما التقيناهم عن الفرحة بفرصة استعادة ذكر الأمجاد.
المجاهد أحمد ساهل، المولود في 2 جويلية 1941 بمعاتقة، كان من بين أبطال ثورة التحرير الذي انظموا إلى صفوف جيش التحرير بالولاية الثالثة التاريخية، للكفاح، وهو ما يزال صبيا يرعى الأغنام، وعمره لا يتجاوز 15 سنة، وذلك من 1956 إلى 1962.
كانت بدايته في الكفاح تقتصر على تأمين الطعام للمجاهدين المارين من منطقته، «اغيل بلقاضي» بمعاتقة بتيزي وزو، وامتحنه المجاهدون من أجل معرفة مدى استعداده للانضمام إلى الثورة دون الخوف من إفشاء سرهم، فكان الامتحان الذي نجح فيه اليافع أحمد، بعدما أرسلوا إليه أحد الشيوخ ليستدرجه في الكلام عن مكان المجاهدين، أو إذا سبق له أن التقى بهم، فأنكر الصبيّ جملة وتفصيلا، لتوكل إليه مهمة جمع التبرعات والأموال من أجل تمويل الثورة، وينتقل بعدها إلى حفر الخنادق والطرقات لمنع الشاحنات المحملة بالعسكريين الفرنسيين من الدخول إلى القرى، حيث يشتبك المجاهدون معهم قبل وصولهم إلى وجهتهم المقصودة، ويجهضون أية عملية يقومون بها.
«عمي احمد» مرّ بعدة مراحل في كفاحه إلى غاية تسلمه السلاح والبندقية ليشارك المجاهدين دفاعهم عن الوطن في ساحات الوغى..كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر حسب الظروف، ويسارعون إلى تقديم الدعم للمجاهدين كلما دعت الحاجة، وذلك رفقة رفيقي دربه اللذين استشهدا فيما بعد، محمد سعيد ساهل، ومهول محمد، المكنى سي محمد نييزام، تاركين إياه يواصل نضاله وكفاحه المسلح بعدما وعدهما بمواصلة المشوار إلى أن تتحرّر الجزائر.
عمي احمد الذي أصبح مطاردا من طرف السلطات الاستعمارية، بعد أن نشرت إعلانا للبحث عنه، اضطر إلى تغيير مكانه تفاديا للوقوع بين براثن المستعمرين..غادر قريته حاملا سلاحه على كتفه بعدما ودّع عائلته، ووعد بالعودة بعد أن تهدأ الأوضاع، غير أنه واصل الكفاح بين معاتقة، سيد علي موسى، برقوقة واعلالن بايت يحي موسى..هذه المناطق التي شارك فيها عمي احمد في اشتباكات عديدة، استعملت فيها فرنسا مختلف الأسلحة والطائرات وحتى قنابل النبالم الذي يذيب الجلد عن العظم.
المجاهد احمد ساهل الذي ما تزال ذاكرته قوية، ولو أنها تخونه في بعض الأحيان، يقول: «الاستقلال لم يأت من العدم، وإنما بتضحيات جسام دفعنا خلال النفس والنفيس، فلم تكن حياتنا تساوي شيئا أمام أرضنا التي اغتصبت منا، لهذا قدمنا أرواحنا ودماءنا ثمنا للحرية».
ويروي عمي احمد تفاصيل المعركة الكبيرة التي جرت في اعلالن بتاريخ 6 جانفي 1959، وكيف أعدت فرنسا العدة من أجل القضاء على الثورة، حيث أرسلت إلى المنطقة حوالي 40 شاحنة مدعمة بطائرات باتجاه ايت يحي موسى، وهذا من أجل محاصرة المجاهدين الذين اتخذوا من غاباتها الكبيرة ملجأ لهم بعيدا عن الأنظار، إلا أن أحد الحركى بلّغ عنهم، الأمر الذي دفع بهم إلى التنقل إلى تلك المنطقة من أجل تقديم الدعم لهم، واستمر الاشتباك على مدار اليوم، وبعدها أخذوا طريقهم داخل الغابة، ولم يخرجوا منها إلا بعد يومين..بعدما أخذ التعب والجوع منهم الجهد، ليستنجدوا بإحدى القرى التي آوتهم فيها إحدى العائلات وقدمت لهم الطعام.
ويضيف المجاهد: «هذه المعركة استعمل فيها النبالم الذي يذيب الجلد عن العظم، أصيب به أحد المجاهدين على مستوى الوجه واليدين، ليبدأ الماء بالتقاطر منه، وجلده يذوب عن عظمه، ليقوموا برشه بالتراب لتوقيف ذلك النزيف، وبعدها أسعف داخل أحد المخابئ من أجل تلقي العلاج».
وكانت الطائرات تلقي بقنابلها فوق رؤوس السكان، والتي كانت تقابلها زغاريد النساء المشجعة والتي لا تهاب الموت.
الدا احمد الذي يبلغ العقد الثامن من عمره، حمّل جيل اليوم رسالة المحافظة على الوطن الذي حرروه بدمائهم وبدموع الأرامل واليتامى، موصيا إياهم بالالتفاف حول الوطن والدفاع عنه ضد أي عدو غاشم، يستهدف استقراره؛ لأنه أمانة في أعناقهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024
العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024