عن دبلوماسية ثورة التحرير

هكذا اخترق الجزائريون معاقل الإمبريالية..

حمزة/م

 يتزامن الاحتفال بالذكرى الـ68 لاندلاع الثورة التحريرية، مع العودة الموفّقة للجزائر إلى الساحة الدولية.
عودة ربطاتها جل القراءات والتحاليل بالجذور التاريخية للدبلوماسية الجزائرية، ومنبع مبادئها الصلبة، انطلاقا من بيان أول نوفمبر 1954.

عرفت السنة الجارية، المتزامنة مع ستينية استرجاع السيادة الوطنية، تصدر اسم «الجزائر» محركات البحث على الشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي، بسبب الدور الدبلوماسي النشيط، في مختلف الملفات السياسية الإقليمية والدولية، وبسبب كونها مركز احتضان عدد من التظاهرات الكبرى.
وسلّطت أضواء الإعلام الدولي على الجزائر، في الأشهر الماضية، بعد النجاح الكبير في تنظيم الألعاب المتوسطية، وتنظيم احتفالات مميزة بذكرى الاستقلال والعرض العسكري المبهر الذي نظم بدقة متناهية.
إلى جانب ذلك، نظمت الجزائر الدورة الـ31 لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة. وكل هذه الأحداث كانت هدفا لهجمات دعائية مغرضة، في إطار حرب سيبرانية استهدفت تشويه كل ما هو جزائري.
سقوط سهام تلك الهجمات الواحد تلو الآخر في الماء، أكد مدى علو المواقف والقدرة الجزائرية، على إعادة ضبط معالمها في السياسة الدولية، وبعث نشاط دبلوماسيتها الشاملة، عن طريق استحضار جميع مقومات الشخصية المعنوية الجزائرية.
هذا الزخم اللافت، دفع مراقبين إلى إطلاق تسميات مختلفة على الدبلوماسية الجزائرية، فمنهم من وصفها بـ»الدبلوماسية النشطة والمؤثرة»، ومنهم من اعتبرها «دبلوماسية مواجهة»، غير أن وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، حسم الأمر في 08 أكتوبر الماضي وقال إنها «دبلوماسية ثورية».
وأشار المتحدث، إلى أن المرجعية الثورية، بقيمها العادلة واحترامها القانون الدولي وحقوق الشعوب، تظل ركائز ثابتة لا تتغير بتغير الظروف في العمل الدبلوماسي للجزائري.
كل هذه المعطيات، وغيرها من المحطات الشاهدة، تثبت مدى مهارات مؤسسي السياسة الخارجية الجزائرية، منذ اندلاع الكفاح المسلح في الفاتح نوفمبر 1954، وينقل مؤرخون أن طليعة المناضلين الشباب الذين نأوا بأنفسهم عن خصومة جناحي الحركة الوطنية، وأعلنوا قيام جبهة التحرير الوطني، كانوا على درجة عالية من الاطلاع على الأوضاع الدولية، ومواثيق الشرعية الدولية على ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأظهر بيان أول نوفمبر 1954، مدى انفتاح مفجّري العمل الثوري التحرّري، على العالم، وإتقانهم لأدوات السياسة الخارجية ونسج العلاقات مع الشعوب والدول.
ومن أهداف البيان المعلنة «تدويل القضية الجزائرية»، وتحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي، إلى جانب تأكيد «عطفنا الفعّال تجاه جميع الأمم التي تساند قضيتنا التحريرية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة».
ووضعت قيادة الثورة «العمل في الخارج لجعل القضية الجزائرية حقيقة واقعة في العالم كله، وذلك بمساندة كل حلفائنا الطبيعيين»، كأداة أساسية من أدوات الكفاح إلى جانب العمل الداخلي والميداني.
ولم تتأخّر جبهة التحرير الوطني، في الجمع بين القول والفعل، إذ سارعت لإنشاء مكاتبها في عدد من العواصم العربية والإسلامية، إلى جانب ذلك شكّل مؤتمر الدول الآفرو-آسياوية، بباندونع الأندونيسية سنة 1955، النواة الأولى لنجاح العمل الخارجي للثورة التحريرية.

حشد الدعم الدولي

نجح الوفد الجزائري، في حشد دعم وتعاطف 29 دولة من إفريقيا وآسيا مع القضية الجزائرية، بعدما أبدى قدرة فائقة على الشرح والإقناع، بأنها قضية تحرّر واستقلال.
وتناغم الجهد الدبلوماسي مع الكفاح المسلح في الداخل، إذ كانت إحدى أهداف هجمات الشمال القسنطيني في أوت 1955، لفت أنظار العالم لما يجري في الجزائر، قصد برمجة القضية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي المرحلة الأولى للثورة، استطاعت جبهة التحرير الوطني، افتتاح مكاتب لها في دول أوروبا الغربية معقل فرنسا الاستعمارية، ومن لندن إلى روما فبرن بسويسرا، تمكّنت من حشد تعاطف نوعي لشخصيات لامعة مع الثورة التحريرية.
شبكة العلاقات العميقة التي طوّرها الجزائريون، امتدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ السيناتور الأمريكي الشاب، جون كينيدي (رئيس الولايات المتحدة لاحقا)، الحديث عن عدالة كفاح الشعب الجزائري أواخر 1957.
وبعد إعلان قيام الحكومة المؤقتة في سبتمبر 1958، تعزّزت أدوات العمل الخارجي للثورة الجزائري، إذ ارتبطت في وقت وجيز بعلاقات نوعية مع قوى عظمى كروسيا والصين، واستطاعت - في سابقة تاريخية - أن تنقل المقاومة إلى الأراضي الفرنسية، حيث أطلع العالم على وحشية الاستعمار الفرنسي الغاشم، من خلال الجرائم التي ارتكبها بحق الجزائريين في باريس ونهر السين.
واستخدمت دبلوماسية الثورة الجزائرية، أدوات القوة الناعمة في الحرب ضد المستعمر، فجندت وسائل الإعلام الثورة، والصحف العالمية، وفتحت المجال أمام صحفيين ومصورين من مختلف البلدان، لنقل ما يجري على أرض المعركة.
وأسست فريق جبهة التحرير الوطني، ووظفت بشكل مقنع جدا ورقة حقوق الإنسان واللاجئين والمهجّرين والمنفيين، في المحافل، وقدّمت كل شيء لإسقاط خرافة «الجزائر فرنسية». واستمرت محاولات جدولة القضية في الأمم المتحدة كل سنة، إلى أن تمّت المناقشة الأولى بشكل فعلي سنة 1959، في الدورة الـ 14 للجمعية العامة الأممية.
وكانت سنوات 1960، 1961 و1962، حاسمة في اتجاه تمكين الشعب الجزائري، من تقرير مصيره، بعدما حمل لـ7 سنوات البندقية بيمينه والدبلوماسية بشماله، فانتصر في حرب التحرير، ورسّخ المجازر البشعة للاستعمار والتي تطارد فرنسا وتشوّه سمعتها إلى الأبد.
وتصنع الدبلوماسية الجزائرية، التميز في أروقة الأمم المتحدة، إلى غاية اليوم، لكونها مسندة بتضحيات جسام من أجل الحرية والاستقلال، فيما صنع دعم حركات التحرّر عبر العالم، بعدا آخرا للجزائر، ما جعلها باقتدار «مكة الثوار وقبلة الأحرار».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024