19 مارس 1962.. المنجز الأغلى للديبلوماسية الجزائرية..

المفاوضات أفشلت مشروع تقسيم الجزائر

سهام بوعموشة

تاريخ 19 مارس 1962، أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية، أنهى 132 سنة من الاحتلال والظلم والتعذيب وجرائم الإبادة الجماعية والتهجير، بفضل عباقرة الثورة المحنّكين، بعد مفاوضات عسيرة افتكوا الانتصار الكبير، وأفشلوا مشروع قانون هيرسان الجهنمي لتقسيم الجزائر الذي تقدّم به مجموعة من النواب إلى الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 28 فيفري 1957، والهادف إلى انشاء مقاطعة فرنسية للجزائر العاصمة ووهران، وتشكل منطقة قسنطينة وتلمسان الجمهورية الجزائرية ذات الحكم الذاتي، في حين تبقى الصحراء خارج ذلك.

ونادى فاليري جيسكار ديستان، وزير المالية آنذاك، بالتقسيم، ويوضح إعلان الحكومة الفرنسية يوم 28جوان 1961 ما يلي: «أنه يجب استخلاص العبرة في حالة ما إذا حدث إن سُدّت جميع الطرق المعقولة، وتظهر على الخريطة بوضوح المناطق، التي يسودها سكان من أصل أوروبي، وفي حالة انعدام التعاون والاشتراك، فإن ضمان أمن هؤلاء السكان، وأمن الذين يريدون البقاء بجانبنا، لا يتم إلا بالفصل وتنظيم حكم ذاتي، فيتولى باقي السكان أمرهم بدون تدخل فرنسا».. غير أن قادة الثورة المباركة، ومن ورائهم الشعب الجزائري، تمسّكوا بالوحدة الوطنية، وأكدوا أن وقف إطلاق النار مرهون بوحدتنا.

كان المخطّط الديغولي هو جزائر مبتورة من صحرائها مع حضور عسكري فرنسي يحمي الامتيازات الاقتصادية لفرنسا والأقلية الأوروبية، ورغم مناورات فرنسا بإدخال الحركة الوطنية الجزائرية في المفاوضات، إلا أن الحكومة الفرنسية تخلت في الأخير عن إشراك الحركة المصالية، أو أي تيار آخر في التفاوض، وبدأت المفاوضات يوم 20 ماي 1961 في إيفيان، مثلما يؤكده المجاهد المرحوم بن يوسف بن خدة في مذكراته بعنوان
«نهاية حرب التحرير في الجزائر، اتفاقيات ايفيان».
 ويوضح أن كريم بلقاسم، هو من ترأس الوفد الجزائري، رفقة سعد دحلب، محمد الصديق بن يحيى، الطيب بولحروف، احمد فرانسيس، احمد بومنجل، والرائدين أحمد قايد وعلي منجلي، وكان رضا مالك، المتحدث الرسمي باسم الوفد الجزائري.
ويشير بن خذة، إلى أن فرنسا أرادت إعطاء ضمانات للإنفراج، فسمحت لجزء من 2500.000 من المعتقلين في المحتشدات، التي وضعت تحت مراقبة الجيش الفرنسي من مغادرتها، واطلاق سراح 6000 معتقل، وحسّنت وضعية الوزراء الخمسة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المعتقلين في فرنسا، وأعلنت وضع حد للعمليات الهجومية، وحاولت أن تحصل من جبهة التحرير الوطني على ايقاف المعارك، والتي لم تتوقف وكانت جبهة التحرير على حذر من الإستعمار في هذا الظرف.
يقول: «إذ لولا الكفاح المسلح لما قبلت الحكومة الفرنسية المفاوضات مع الجزائريين، واعترف ديغول بأن السياسة الخارجية هي من صلاحيات الدولة الجزائرية، ولكنه تمسّك بموقفه إزاء الصحراء، وبقيت مواقف الطرفين دون تغيير».
يشير بن خدة: «هكذا أمّمت أراضي المعمرين ابتداء من 1963، والمناجم في 1966 والوحدات الصناعية في 1968، والمنشآت البترولية في 1971، وغادرت القوات الفرنسية البلاد في نهاية 1964، بحيث كان من المقرّر أن تغادرها يوم 1 جويلية 1965، وأخليت القواعد الصحراوية في 1967، و المرسى الكبير في 1968، بدلا من 1977».
ويضيف: «لم يكن كل هذا ممكنا إلا بالسلاح الأساسي المتمثل في السيادة الوطنية، إن تصورنا الصارم للسيادة الوطنية جعلنا نرفض كل ما يشكّل خطرا محتملا على وحدة الأمة والتراب، وبرفضنا إسناد الجنسية الجزائرية تلقائيا إلى مليون أوروبي أبعدنا خطر الوصول إلى جزائر ثنائية الرأس، يتسرب إليها وضع يكون أسوأ حالا من الوضع القائم في قبرص وفي لبنان، وقد أبعدنا نهائيا هذا الخطر وأنجينا الأجيال المقبلة من الصراع بين مجموعتين لهما ثقافات مختلفة ونمط إجتماعي متباين».

مفاوضات عسيرة

بعد استئناف المفاوضات في 13 جوان 1961، أدى سعد دحلب، دورا هاما ضمن الوفد الجزائري للبقاء كممثل للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في جنيف إلى غاية 20 جويلية 1961، وسيكون الوسيط الوحيد بين المبعوثين الفرنسيين والحكومة المؤقتة.
حاول دحلب، الاستفادة من هذه الفترة لنشر المعلومات وتعريف مواقف قادة الثورة للعديد من الوفود الأجنبية، خاصة الوفود الفرنسية المارة يوميا ببوادافو Bois d’avault، قرب جنيف وهو مقر يملكه أمير قطر، الذي وضعه تحت تصرف الوفد الجزائري، يقول رئيس الحكومة المؤقتة السابق.
ويضيف بن خدة: «التقى الوفدان من جديد في 20 جويلية 1961، بعد تبادل العديد من وجهات النظر في لوقران Lugrin، بفرنسا القريبة من الحدود السويسرية، ولم تكن الحكومة المؤقتة تنتظر الشيء الكثير من هذا اللقاء العام الثاني، لكن خطتها كانت واضحة وهي قطع المفاوضات بسبب الصحراء، لأن مسألة الوحدة الترابية يسهّل فهمها لدى الرأي العالمي «.
ويشير: «داخليا فيسمح بتعبئة أكثر للطاقات، وتعثرت المفاوضات مرة ثانية بسبب قضية الصحراء وانسحب الوفد الجزائري، لأن نجاح المفاوضات كان مرهونا بوحدة الجزائر».
واستأنفت المفاوضات لقاء بال الأول في 28 و29 أكتوبر1961، ولقاء بال الثاني في 9 نوفمبر 1961، ولقاء جوكس وسعد دحلب، في ديسمبر 1961، وكلف كريم بلقاسم، ولخضر بن طوبال، باعتبارهما من رجال أول نوفمبر 1954، للإلتحاق بألنوي والاتصال بالخمسة المعتقلين ورافقهم محمد الصديق بن يحيى الذي كان يعرف بدقة ملف المفاوضات الجزائرية الفرنسية.
 وبعد عودتهم أخبروا الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، بأن الخمسة يثقون في الحكومة المؤقتة ويصادقون على اتفاقيات ايفيان، وسيرسلون إلى رئيس الحكومة المؤقتة وكالة لكي يصوت باسمهم أثناء انعقاد اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية.
وحسب شهادة بن خذة، جاءت بعض الملاحظات من بن بلة وخيضر، أثار هذا الأخير مسألة تعويض اللاجئين وطلب اختصار مدة المرحلة الانتقالية، وتكلّم عن القوانين الداخلية لجبهة التحرير الوطني، وذكر سلطتين هما المكتب السياسي والحكومة، واقترح خيضر، تعيين عضو من القيادة العامة للجيش لتطبيق قرارات الحكومة، وتحدث بن بلة عن المرسى الكبير وإلغاء منطقة «ب».
وافق الوزراء الخمسة المسجونين على اتفاقيات ايفيان، وجاء النص الكامل للرسالة التي وجهها الوزراء الخمسة المعتقلون إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية:
«إلى الأخوة في المجلس الوطني للثورة الجزائرية: «لقد اتصلت بنا حكومتنا مرات عديدة، خلال الأسابيع الأخيرة، فقد انتدبت في البداية للإتصال بنا الأخ بن يحيى، وبعده انتدبت الأخ بن طوبال، وأخيرا قدم وفد يضمّ الأخوة، كريم، بن طوبال، وبن يحيى للإتصال بنا بدوره. وقد سلمت إلينا وثائق تتعلق بالمفاوضات الجارية بين حكومتنا والحكومة الفرنسية، وأن المعلومات الشفهية، التي أعطيت لنا والخاصة بوضعيتنا في الداخل، تشير بجلاء إلى أن هذه المفاوضات يجب أن تستمر إلى نهايتها المحتومة.
وأن الإتفاقيات التي تمخّضت عن هذه المفاوضات لم تعد تنتظر لكي تحظى بإلتزامنا العلني والرسمي، سوى موافقة ومصادقة مجلسنا الوطني للثورة الجزائرية. نحن الموقعون أدناه نعلن موافقتنا ومصادقتنا على هذه الإتفاقيات المبرمة من قبل حكومتنا.

حرر بألنوى في 15 فيفري 1962.
التوقيع : حسين أيت أحمد، بن بلة، بيطاط، بوضياف، خيضر.

وتواصلت محادثات لي روس في 11 و19 فيفري 1962، حيث فهم الفرنسيون أنه لا يمكن الحصول على وقف اطلاق النار الا بعد الإبرام النهائي للإتفاقيات السياسية والعسكرية، ونوقشت كل المواضيع وحرّرت النصوص، وكان المجلس الوطني للثورة الجزائرية الوحيد المؤهل للإعلان عن وقف اطلاق النار.
وافتتحت المفاوضات من جديد يوم 7مارس 1962، وبصفة رسمية واستلزم ذلك 12 يوما من المناقشة الحادة للوصول إلى التوقيع على اتفاقية وقف اطلاق النار، ووقع كريم بلقاسم، باسم الوفد الجزائري عشية 18 مارس.
وفي اليوم نفسه أعلن بن يوسف بن خدة عن وقف إطلاق النار على أمواج إذاعة تونس بهذه العبارة:
«باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وبتفويض من المجلس الوطني للثورة الجزائرية، أعلن عن وقف اطلاق النار في كافة انحاء التراب الجزائري ابتداء من 19 مارس 1962، على الساعة الثانية عشرة، أمر باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كل قوات جيش التحرير الوطني المكافحة بوقف العمليات العسكرية والإشتباكات المسلحة على مجموع التراب الوطني».
وقام الجنرال ديغول، بدوره قبل ذلك بقليل بإعطاء الأوامر نفسها للقوات الفرنسية.

تحقق حلم المجاهدين وأجيال من الجزائريين بنيل الحرية

وعبّر بن خذة، في مذكراته عن هذا الإنتصار العظيم بالقول: «استقبل أمر وقف اطلاق النار في كل أنحاء البلاد بارتياح عميق، فتحقق حلم المجاهدين والأجيال العديدة من الجزائريين منذ 1830، إلا وهو الاستقلال الذي لم يشك فيه أحد».
ويضيف المجاهد المرحوم: «كان ذلك، نهاية لكابوس طويل مليء بالإغتيالات ومذابح السكان المدنيين والإعتقالات والتعذيب والتفتيش والإغتصاب، وكان الشعب والمجاهدون والمحكوم عليهم بالإعدام والمساجين والمعتقلون والمحتشدون واللاجئون، يقدّرون هذه النعمة لأنهم تكبدوا أشد ألام الحرب».
ويقول أيضا: «كان إعلان وقف إطلاق النار بداية للمرحلة الانتقالية، التي سمحت بإطلاق سراح كل المساجين وخروج المكافحين من الظلمات إلى شمس النهار».
ويشير بن خذة، إلى أنه إلى غاية عشية اعلان الاستقلال كان الجزائريون يعانون من تهديد التقسيم، زيادة على جرائم المنظمة العسكرية السرية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19450

العدد 19450

السبت 20 أفريل 2024
العدد 19449

العدد 19449

الجمعة 19 أفريل 2024