في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتجدّد التحديات، يبقى صوت الماضي حاملًا للحكمة والتجربة، مفعما بالمجد والبطولات، التقينا مؤخّرًا بالمجاهد أحمد طواقين، رئيس جمعية 08 ماي 1945، أحد شهود ثورة التحرير الجزائرية المجيدة، ليشاركنا رؤيته حول مسيرة التنمية في الجزائر، مقارنًا بين ظروف الأمس القاسية وإنجازات اليوم، بعد مرور 63 عامًا على الاستقلال.
حديث المجاهد طواقين، المعروف في الأوساط العلمية والثقافية بصفته عضو في جمعية العلماء المسلمين، لم يكن مجرّد استعراض للذكريات، بل كان شهادة حية على التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد.
بدأ المجاهد أحمد طواقين، حديثه بنبرة تحمل بين طياتها الفخر والألم، مستعيدًا صورة الجزائر قبل الاستقلال وخلاله: «كانت الجزائر بالأمس جرحًا غائرًا، فسنوات الاستعمار خلّفت وراءها خرابًا وتخلّفًا في كل المجالات، لم تكن هناك بنية تحتية حقيقية، لا مستشفيات كافية، ولا مدارس تستوعب أبناءنا، ولا مصانع تنهض باقتصادنا، كان همّنا الأكبر هو التحرير، تحرير الأرض والإنسان، لكن حتى في أوج الكفاح المسلّح، كنا نحلم بجزائر مزدهرة، جزائر تستطيع أنّ توفّر لأبنائها ما حُرموا منه لقرون». وأشار المجاهد إلى أنّ التنمية آنذاك كانت حلماً بعيد المنال، فالموارد كانت شحيحة والجهد الأكبر منصبًا على المقاومة والصمود، فلما «كنا نزرع القمح تحت الرصاص، ونبني المنازل المتواضعة بأيدينا، ونُعلّم أبناءنا في الخفاء، التنمية كانت في عقولنا، في إصرارنا على بناء دولة حرة قوية».
وبانتقاله تحمل الأمل والتفاؤل، تحدّث المجاهد طواقين، عن جزائر اليوم: «بعد 63 عامًا، تبدّلت الصورة بشكل جذري، الجزائر اليوم ليست هي الجزائر التي حاربنا من أجلها فقط، بل هي جزائر جديدة فعلا، تتطلّع إلى المستقبل بثقة، عندما أرى الطرق السريعة التي تربط ولايات الوطن، والمستشفيات الحديثة التي تقدم الرعاية الصحية لأبنائنا، والجامعات التي تضيء دروب العلم لشبابنا، أشعر بفخر لا يوصف، لم يعد التعليم حكرًا على فئة، بل أصبح حقًا مكفولًا للجميع».
وأشاد المجاهد بالتطور الكبير في البنية التحتية والمجالات الاجتماعية، قائلا: «في السابق، كان الوصول إلى أبسط الخدمات تحديًا كبيرًا، أما اليوم، الماء والكهرباء يصلان إلى أبعد القرى، قطاع الصناعة يشهد نموًا ملحوظًا، الزراعة تتطور، وقطاع الطاقة هو قاطرة التنمية، هذا ليس سحرًا، بل هو نتيجة تضحيات جسام وجهود متواصلة من أجيال متتالية»، ويواصل حديثه :»التنمية اليوم أصبحت واقعًا ملموسًا، وإن كانت لا تزال هناك تحديات نسعى لتجاوزها».
مقارنة بين تحديات الأمس وإنجازات اليوم
ولخّص المجاهد أحمد طواقين، الفارق بين المرحلتين قائلاً: «كان تحدي الأمس هو انتزاع الحق في الوجود، أما تحدي اليوم فهو ترسيخ هذا الوجود وبناء دولة قوية اقتصاديًا واجتماعيًا، بالأمس، كنا نبحث عن لقمة العيش وكرامة الإنسان، واليوم، نبحث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي والتنافسية العالمية ورفاهية المواطن». وختم المجاهد حديثه بتوجيه رسالة إلى الأجيال الشابة قائلا: «أنتم اليوم تتحمّلون مسؤولية الحفاظ على هذا الوطن وتطويره، الأمس كان كفاحًا من أجل الحرية، واليوم هو كفاح من أجل التنمية والازدهار، تذكّروا دائمًا أنّ ما تحقّق لم يأتِ بسهولة، فحافظوا عليه واسعوا جاهدين لجعله أفضل».
إنّ حديث المجاهد أحمد طواقين، هو شهادة قيمة على التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، من رماد الاستعمار، نهضت الجزائر لتشيد صرحًا شامخًا من التنمية، ورغم التحديات المستمرة، فإنّ العزيمة والإصرار يبقيان المحرك الأساسي لمواصلة مسيرة البناء نحو مستقبل أفضل.