إضراب الطلبة الجزائريين في 19 ماي 1956..

خطوة مفصلية أبطلت الدعاية الاستعمارية

إيمان كافي

شكل ميلاد الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جويلية 1955 ضربة لمخطط فرنسا الاستعمارية لتدمير الهوية بعد أن كان الرهان القائم على جعل شريحة الطلاب تقبل الذوبان في المشروع التغريبي، حيث اصطدم هذا المخطط بجيل من المثقفين المتشبعين بالقيم الوطنية ومثّل قرار الإضراب التاريخي عن الدروس والامتحانات في ماي 1956 نقلة نوعية لحركة التضامن الطلابي ولحضور هذه الفئة في العمل الثوري، ومن هنا أضفى الانخراط الطلابي في هياكل الثورة بعدا جديدا على العملية الثورية، ما انعكس على مستويات التكوين والإرشاد والدعاية الإعلامية مثلما يؤكده الدكتور عبد القادر خليفي.

استعرض الدكتور خليفي، المختص في التاريخ بجامعة المسيلة في مقالل علمي بعنوان: “إضراب الطلبة الجزائريين وأثره على ثورة نوفمبر 1954 رصد للمواقف والأصداء من خلال كتابات الفاعلين والمعاصرين”، السياق التاريخي لانخراط هذه الشريحة في المواجهة المفصلية وبتتبع الظروف والملابسات، التي أحاطت بإعلان إضرابها التاريخي الشهير في 19 ماي 1956 ورصد مواقف الفاعلين ورؤيتهم للمسألة، وحاول إبراز أهمية المساهمة التي قدمتها الطبقة المثقفة لمعركة التحرير الوطني عبر المواقع المختلفة، التي تواجدت فيها على المستويات العسكرية والإعلامية والدبلوماسية والاجتماعية.

الطلبة عصفوا بمخططات المستعمر

وبتتبع السياق التاريخي، فإننا نجد أن المشاركة الطلابية كانت نوعية بالأساس، ذلك أن هدف قيادة الثورة من جراء استقطاب هذه الشريحة كان يتعلق بإبراز بطلان الدعاية الاستعمارية، التي راهنت على التشكيك في طبيعة الثورة والقائمين عليها، بالتأكيد على أن ما يجري عبارة عن أعمال لمتعصبين وجهلة بتدبير خارجي، فكان انضمام الطلاب للمعركة المصيرية ومقاسمة إخوانهم المجاهدين يمثل ضخا لجرعة الأكسجين الضرورية لحسم الثورة، من أجل الاستمرار وترسيخا للحمة الوطنية وصفعة مدوية لمخطط التدبير الكولونيالي، يقول الباحث.
من خلال هذه الورقة العلمية لمجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية، تطرق الدكتور خليفي، أيضا إلى ميلاد الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وأشار إلى أن المفكرة التاريخية سجلت أن الطلاب قد تعاطوا مع الحدث الثوري منذ البداية ولم تمض سوى بضعة أشهر حتى رسم هؤلاء أرضية الآفاق المستقبلية التي حددت لاحقا تموقعهم ضمن المواجهة المصيرية، وهكذا قادهم حسهم الوطني إلى إنشاء تنظيم طلابي يساير تلك الروح الجديدة ويعطي للثورة صوتا إضافيا في المحافل الطلابية.
وعرّج الباحث على إعلان الإضراب والذي سبقته العديد من النشاطات والتحركات التمهيدية ففي 20 جانفي 1956، نظم الطلبة الجزائريين بفرنسا يوما للإضراب عن الطعام والدراسة احتجاجا على تدابير القمع الاستعمارية، طالبوا بإطلاق سراح زملائهم المعتقلين وفتح حوار مع الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري وبدأت شيئا فشيئا تتصاعد الاحتكاكات مع الطلبة الأوروبيين وتواتر سبل التصريحات وفي هذا السياق المشحون أعطى الإتحاد العام للطلبة الجزائريين أوامره لمناضليه بأن ينظموا مظاهرة في قلب العاصمة الفرنسية باريس، بقصد لفت أنظار الرأي العام الفرنسي والدولي إلى القضية الجزائرية، والتأكيد للجميع على تضامن الطلاب مع شعبهم في كفاحه العادل وقد استجاب الطلبة للنداء وقاموا بمظاهرة حاشدة يوم 3 فيفري 1956 رفعوا خلالها العلم الجزائري وشعارات التأييد للثورة الجزائرية.
وهكذا أخذ منحى تطور الموقف يتصاعد حاملا معه ملامح تحول نوعي في تعاطي الطلاب مع الوضعية المستجدة، ففي يوم 17 ماي 1956 أجمعت تقريبا كل الصحف الأوروبية بما فيها الفرنسية على أن تحركا مريبا قد ساد الأوساط الطلابية، ليس في الجزائر وحسب، ولكن في تونس أيضا وفي غيرها من البلدان الأجنبية الأخرى، التي يزاول بها الجزائريون تعليمهم، وأكدت بصورة خاصة على أن بعض قادة الجهاد قد اتصلوا بالطلاب الجزائريين في تونس وأن المنتسبين منهم إلى جامع الزيتونة قد وضعوا أنفسهم تحت تصرف الثورة الجزائرية.
وكانت حجة الإضراب قوية جدا يومئذ، حيث كانوا يرددون “إن الشهادات لن تصنع منا أحسن الجثث” وفي هذا السياق، تناول الدكتور عبد القادر خليفي، كل التطورات التاريخية التي شهدتها هذه المرحلة وعرض شهادات لمناضلين في هذا الشأن.
واعتبر أن الطلاب والمثقفين لعبوا أدوارا مهمة على أكثر من صعيد، وكانت إسهاماتهم في الثورة واضحة، ومن خلال انخراطهم في صفوف جيش التحرير الوطني تواجدوا في شتى المواقع وكان بوسعهم أكثر من غيرهم القيام بشرح أسباب الكفاح وأهدافه، وعلى صعيد المشاركة العسكرية اندمج الطلبة في فرق جيش التحرير وكانوا متواجدين في المناطق والنواحي والأقسام.
وعلى المستوى الإعلامي شارك هؤلاء في تحرير صحيفة “المقاومة الجزائرية”، ثم بعدها صحيفة “المجاهد” وشمل ذلك التسيير الإداري والكتابة الصحفية وكان لهذا المجال أهميته الكبيرة لكونه يسمح بإيصال صوت الثورة إلى العديد من نواحي وأقطار العالم، وفي المجال الصحي كذلك ساهم الطلبة في تحسين سير هذا القطاع، سواء من حيث التنظيم أو نوعية الخدمات، ما جعله يؤدي دورا هاما في علاج المجاهدين وحفظ صحة المواطنين بوسائل بدأت بسيطة ثم تطورت تدريجيا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024