طباعة هذه الصفحة

في كتـاب أصدرته الجمعية التاريخية الثقافيـة

شهـادات حيّـــة عـن مظاهـرات 11 ديسمــبر

سهام - ب.

صرخة الجزائريين وهتافاتهم من أجل الحرية والاستقلال هزّت منهاتن

 يمثل كتاب الجمعية التاريخية والثقافية « مظاهرات 11 ديسمبر 1960» لبلدية محمد بلوزداد مرجعا هاما، يعرف بما جرى في المظاهرات التي هزّت بلكور وأحياء أخرى بالعاصمة، معجلة بالاستقلال الوطني. يضم الكتاب شهادات حية ممن عايشوا أو شاركوا في تلك المظاهرات الشعبية بالعاصمة، كما احتوى المؤلف على ما تناولته جريدة المجاهد والصحف الفرنسية عن المظاهرات، قصد المساهمة في كتابة التاريخ الحقيقي لحرب التحرير الوطني وانعكاساتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يعرض الكتاب تفاصيل عن المظاهرات الشعبية في عدة مدن بالجزائر، وبالتحديد بحي بلكور بشارع “ليون” سابقا اليوم محمد بلوزداد. كان الوضع مكهربا ساده اليأس وخاصة غياب الثقة، مدينة محاطة بالشرطة والعملاء، حيث أنه بتاريخ 9 ديسمبر 1960 استجاب الأوروبيون لنداء الإضراب الذي وجهته “جبهة الجزائر فرنسية”.
 كانت الساعة تشير إلى الثامنة في حي بلكور، حيث منعت السيارات من المرور وتم حرق عجلات مطاطية، وبلغ الإضراب أشده في الكليات التي تحرسها فرقة مكافحة الشغب.
 وفي الساعة العاشرة بلغت نسبة متابعة الإضراب 80 بالمائة في القطاع الخاص.
وبحسب ذات المصدر، إنه ابتداءً من الساعة العاشرة والنصف كانت مواجهات بين المتظاهرين الأوروبيين وفرق مكافحة الشغب التي تحاول تفريق المظاهرين خاصة قرب الكليات وعند منعرج الأغا بواسطة القنابل المسيلة للدموع بثلاثة نقاط حسّاسة وسط المدينة، باب الوادي وحي بلكور.
 وسمعت انفجارات خارج وسط المدينة، وبلغ الإضراب أشدّه في الظهيرة، برفع شعارات “الجزائر فرنسية” و«لاقيارد معنا”، حيث شلّت عدة مصالح عمومية وتم إيقاف مسؤولي “جبهة الجزائر فرنسية”.
  وفي حدود الساعة الحادية عشرة وخمس وأربعين دقيقة يحط الجنرال دي غول بعين تيموشنت، أين تجمعت الجماهير في الشارع الذي يؤدي إلى البلدية من بينهم جزائريين كانوا في انتظاره، وهم يحملون لافتات كتب عليها”هنا فرنسا”،” الجزائر فرنسية” وأول حادث يقع بين الأوروبيين والجزائريين حين أظهر الجزائريون لافتة كتب عليها” عاش دي غول وعاشت فرنسا”، وبعدها بقليل “الجزائر جزائرية”.
مواجهات في 10 ديسمبر بالعاصمة
بعيدا عن عين تموشنت، استمر الفرنسيون في التظاهر بالعاصمة في الـ 10 ديسمبر بالهجوم على جمهور من الجزائريين وسط المدينة، وعدة مواجهات مع مصالح الأمن وتم تنصيب حواجز وإطلاق قنابل يدوية، حيث ركزت الصحف الفرنسية على تغيير طابع الأحداث، و تصرح صحيفة “صدى الجزائر” التي جاء فيها ما يلي:« أنه ابتداءً من السبت مساءً، أعطيت إشارة خاصة  في حي بلكور إنها المواجهة التي بلغت أعالي العاصمة، كي تنتشر على التوالي زيادة عن ديار المحصول وديار السعادة، سهول باب الوادي والحراش والقبة وبئر مراد رايس، بئر خادم وأخيرا القصبة ومناخ فرنسا، وكانت  النقاط الساخنة  تتمثل في الأحياء الشعبية المسلمة منها الزغارة، الحراش، و بويصيلة وحي لامنطان...”.
وتضيف الصحيفة:«البعض من المسلمين قد يتظاهرون من أجل الجزائر، لكن هؤلاء أنفسهم تحت قيادة أعوان جبهة التحرير الوطني، رفعوا اللافتات الخضراء والبيضاء لما قرب موعد التظاهرة، نتكلم عن أحداث خطيرة ببلكور: شبان مسلمون يحملون بأيديهم عصي ولوحات من الخشب التي اقتلعوها من على الجدران، يجوبون شارع ليون والشوارع المجاورة وهم يصرخون بما يلي:«الجزائر جزائرية” و«الجزائر مسلمة” و«أطلقوا سراح بن بلة”، وعند الساعة الثامنة ليلا متظاهرون يدمرون السيارات المتوقفة، ويحاولون اقتحام البنايات السكنية بديار المحصول وديار السعادة”.
يوم 11 ديسمبر
يوم الأحد 11 ديسمبر تؤكد البرقيات الواردة عن وكالة الأنباء الفرنسية، والتي تناولتها صحيفة لوموند وبعض الصحف الجزائرية أحداث هذا اليوم، حيث أنه في الساعة العاشرة صباحا نزل الجزائريون من أعالي العاصمة وهم ينادون بشعارات تعبر عن الوطنية وفي مقدمتهم الأعلام الخضراء، وعند وصولهم إلى شارع”جليان” المسمى اليوم شارع مولود زكاري، استقبلوا بالرصاص الذي أطلقه الأوروبيون، ورجال القبعات الحمراء فوق الشاحنات تعبر عن غضبها وهي تستمع لصيحات المسلمين الجزائريين.
وفي منتصف النهار، تحرك أفواج من الجزائريين في مختلف الأحياء بديار السعادة وديار المحصول، وحتى في “وادي المرأة المتوحشة” يغنون ويصرخون، والأعلام الخضراء والبيضاء ترفرف بأيدي النساء على شرفات النوافذ، حيث اقترب طفل من الصحافي وصرح: “ نريد من دي غول أن يتفاوض مع الحكومة المؤقتة، ليس هناك استفتاء غير هذا لم تكن الانتخابات حرة في البلد يوما من الأيام، لسنا ضد دي غول ولا ضد فرنسا، إنما نحن ضد الاستعمار نقول اليوم كفانا ونعبر عن ذلك ولن نتوقف”، وفي منتصف النهار والربع، سيارة من نوع “سيمكا” تعبر شارع “ليون” وهي تحمل علما أخضرا وأبيضا والأوروبيون يحاولون الاعتداء على المارين.
وفي الساعة الواحدة زوالا والربع، يطلق المتظاهرون الجزائريون الذين فاق عددهم 5 آلاف في بلكور شعارات مختلفة “الجزائر حرّة”، “عاشت جبهة التحرير الوطني”، “عاشت الحكومة المؤقتة”، “يسقط دي غول”، “عباس في الحكم”، التفاوض مع الجبهة”، “يسقط لقيارد”، وبعد قليل تقع أحداث مؤلمة بباب الوادي بين الأوروبيين والجزائريين، ويأمر الجنرال “قنب ولد” بإعادة الأمن في العاصمة، وفي الساعة الثانية بعد الزوال والربع تستمر المواجهات في ديار المحصول، أين تحترق محطة “ايسو”،  ويقوم المتظاهرون بالهجوم على محطات السيارات يلفون بعض ما يصادفهم ويأخذون البعض الآخر، وعائلات أوروبية من “صالمبي” تتراجع عند حدود “ديار المحصول” والوضعية تشتد خطورة في باب الوادي، إذ أوقف آلاف من الجزائريين.
وفي الساعة الثالثة والنصف، أطلق أوروبيون النار على جزائريين كانوا يتظاهرون في باب الوادي، أين تموقعت فرقة المدرعات، وفي الساعة الخامسة مساءً يحتفل المظليون القادمون من أعالي بلكور وعلى متن شاحناتهم أعلام جزائرية نزعوها من المسلمين الجزائريين، ثم يقطعون شارع “ليون”، أين تجمع الأوروبيون يهتفون قائلين: “الجزائر فرنسية”، “أحموننا”، “أنقذوا الجزائر”. أما في الساعة السادسة مساءً والربع بدأ الوضع يهدأ تدريجيا في نواحي العاصمة، مع بقاء شيء من الغليان في بلكور و دخل حضر التجول حيز التنفيذ، ابتداءً من الساعة الثامنة ليلا. وفي اليوم الموالي صرّحت الصحف بمقتل 65 شخصا من بينهم 50 مسلما.
علما أن المظاهرات انطلقت في وهران بعد ظهر 11 ديسمبر، قام بها مئات المسلمين الذين حاولوا التوجه إلى الأحياء الأوروبية وهم يردّدون “تحيا الجزائر المسلمة”، “يحيا بن بلة” و«عباس في السلطة”، حيث كان رد فعل الدرك الفرنسي عنيفا اتجاه الأقدام السوداء الذين بدأو المظاهرات ضد الجزائريين الذين لم يسلموا للأمر الواقع..
وفي 12 ديسمبر وعلى الساعة الـ 11 صباحا، تجدّدت مسيرات الجزائريين في الأحياء ما أسفر عن جرحى ومعتقلين ونفس الأحداث تكرّرت في المساء وعلى مدار الثلاثة أيام المتتالية.
أما في عنابة تشكلت جماعات من 50 إلى 100 شخص حوالي الساعة الثانية بعد الزوال في ضواحي المدينة، غير أن الطلقات النارية للمظليين استوقفتهم ونجم عن ذلك قتلى وجرحى وشارك حوالي 2000 مسلم في تشييع جثث الضحايا، وفي قسنطينة تشابك شباب جزائريون مع أصحاب سيارات فرنسيين كانوا يردّدون “الجزائر فرنسية”، في حين كان آخرون يكسرون زجاج سيارات متوقفة، حيث كانت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 معركة كبيرة لسكان المدن الحضرية، كانت في البداية محاولات شعبية ثم تم تأطيرها من قبل مسؤولين ومناضلين في صفوف جبهة التحرير الوطني.
2000 قتيل وحوالي 500 جريح في المظاهرات
لقد كان صدى المظاهرات كبيرا جدا في الجزائر وفرنسا وكل العالم، حقّق من خلاله الشعب الجزائري في المناطق الحضرية خاصة في العاصمة نجاحا وفوزا بسيكولوجيا وسياسيا، وكان الثمن غالي جدا، حيث تشير الحصيلة الرسمية إلى 2000 قتيل وحوالي 500 جريح، دون حساب الذين عولجوا من طرف أطباء جزائريين، لم يتجرع الفرنسيون والأقدام السوداء ما حدث ولم يتقبلوا التحدي الذي أبداه الجزائريون تجاههم في قلب العاصمة، بإشهارهم الأعلام الوطنية في وجوههم.
 وأعلن أحد الضباط الفرنسيون في جريدة “لوموند”  أن ما حدث، هو بمثابة ديان بيان فو الذي سيتبع بسانت بارتيليمي جديدة... إننا نشهد تحضيرا للجزائر المستقلة التي ستولد ...”. فضلا عن الصدى العالمي للمظاهرات المصرّح بها عبر الصحافة الجزائرية إلى منظمة الأمم المتحدة ورؤساء الحكومات الصديقة. كما وجه فرحات عباس نداء تضامن للدول العربية وكانت ردود التنديد والمساندة عديدة، منها التي عبر عنها تيتو وجمال عبد الناصر وغيرهم، وكانت المظاهرات دعما لجيش التحرير الوطني الذي كان بحاجة إلى المقاومة في المدن، وتدعيم النظام فيها وبعد 11 ديسمبر ازداد الشباب الذين يرغبون في أن يصبحوا فدائيين وازداد عدد العمليات الفدائية.
كانت انتفاضة الحرية الصرخة المدوية التي أوصلت صداها إلى مانهاتن بنيويويك حيث أدرك العالم ان الجزائريين لا يريدون غير تقرير المصير، ومنه تكاثرت الاعترافات بالقضية الجزائرية العادلة.