طباعة هذه الصفحة

59 سنـة علـى انعقاد مؤتمر طنجـة

الوحــدة المغاربية حبيسـة الإرادة السياسيــة

س. بوعموشة

ظهرت بوادر العمل المغاربي المشترك منذ بدايات القرن العشرين، حيث اتبعت فكرة وحدة المغرب العربي لدى مجموعة من الحركات السياسية المطالبة بالوحدة، تمثلت في حركتي الشباب الجزائري والتونسي اللتين تأسستا عام 1907م وحركة الشباب المغربي لاحقا المتأسسة عام 1919.
بالنسبة لحركة الشباب التونسي، فقد دعا زعيمها علي باش حمبة، إلى ضرورة توحيد المغرب العربي في ميدان الكفاح ومد يده للمناضلين الجزائريين، حيث أسس مع أخيه في برلين الجنة التونسية  الجزائرية، وفي الوقت نفسه اتصل برجال الحركة في مراكش، وكان الاتجاه السائد يومئذ لدى النخبة الوطنية في شمال إفريقيا هو الاستعانة بالدولة العثمانية لمقاومة الاحتلال الفرنسي.
تم ذلك من خلال التعلق بفكرة الجامعة الإسلامية، حيث أن بداية الاتصالات كانت بين الشباب التونسيين والجزائريين خلال عام 1911، ثم شباب المغرب الأقصى بعد ذلك، سعيا لتكوين جبهة مغاربية والعمل على عقد مؤتمر إسلامي كبير لشمال إفريقيا.
أما حركة الشباب الجزائري، التي تأسست سنة 1907 وسميت بحركة الجزائر الفتاة، فقد بدأت تلعب دورا هاما في توجيه السياسة المحلية. برز نشاطها بفعالية حركة نهضة في عدة ميادين، منها النقابي والسياسي، ومن مطالبها توسيع تمثيل الجزائر في الجمعيات والمجالس المنتخبة.
حاول حمبة تنظيم مؤتمر من مسلمي الحماية التونسية والمستعمر ة الجزائرية، كان هدف اللجنة التونسية الجزائرية التي ظهرت سنة 1919، هو الدفاع عن قضية تحرير المغرب العربي كله، وأعلنت عن فكرة تشكيل جمهورية شمال إفريقيا، وكان له دور فعال في قيادتها، حيث اقترح على مجموعة من المناضلين توجيه حملة لتحرير المغرب العربي.
من دعاة الإصلاح الإسلامي الذين رفعوا شعار الوحدة المغاربية في الداخل، الجزائريان عمر راسم وعمر بن قدور، حيث ساهم عمر راسم بقلمه في الصحف التونسية بمقالات ثورية وأصدر صحيفة “الفاروق”، مع زميله عمر بن قدور سنة 1912 و«ذو الفقار” عام 1913م التي كانت تحمل الطابع الإسلامي وتهدف إلى حماية الإسلام والمسلمين من طعنات أعدائه، كما نادت بوحدة شعوب المغرب العربي ذات المصير المشترك والتحديات التي كانت تفرضها هذه المرحلة من الزمن.
من جهته كان عمر بن قدور من دعاة الوحدة المغاربية الأوائل، كتب في الصحافة المغاربية والمشرقية، كاللواء قبيل سقوط المغرب الأقصى تحت الحماية الفرنسية. ومن مبادراته دعوته إلى تأسيس جماعة التعارف لأهالي شمال إفريقيا ودعا إليها مفكري المغرب العربي.
بالإضافة إلى تكوين جمعيات مغاربية، كانت أعمالها غطاء لنشاطها السياسي المناهض للاستعمار، منها جمعية الإخوة والمساعدة بين الجزائريين والتونسيين، وكانت لها فروع في كل المشرق، أهمها فرع دمشق، كذلك جمعية الشرفاء التي أسسها الشيخ المكي بن عزوز سنة 1913 بالمدينة المنورة.
كان نشاط هذه الجمعيات في المهجر، مد يد العون لأقطار المغرب العربي لمعالجة قضاياه، وتبادر إلى توحيد صفوفه لمناهضة الاستعمار وكانت تتمشى مع المقومات الإسلامية ومساعدة الجاليات المغاربية بالمشرق. وما يبرز جديتها هو السعي لتحقيق الأهداف الوحدوية لتحقيق طموحات الشعوب المغاربية وانصهارها في حركة مغاربية واحدة.
برزت أعمال لجنة استقلال الجزائر وتونس بدورها في العمل على توحيد كفاح المغرب العربي، وقد اتضح نشاطها من خلال مجلة المغرب الناطقة باللغة الفرنسية، التي أسسها محمد باش حمبة في نهاية شهر ماي 1916 بجنيف.
شهدت الفترة ما بعد الحرب العالمية الأولى محطات جديدة، تميزت بالتنظيم في الاتجاه الوحدوي المغاربي، حيث وجدت النخبة السياسية المغاربية تغيرا ملحوظا في واقع المجتمع المغاربي، نتيجة ظهور تطورات في الوضع الدولي، الأرضية الملائمة، نظريا وعلميا، لبلورة فكرة المغرب العربي، بالرغم من أن الدعوة إلى تحقيقها كانت مع بداية القرن العشرين، ليتم تجسيدها من طرف إطارات قادرة على فتح المجال للعمل الجماعي الموحد.
كان أبرز أولى هذه للتنظيم نجم الشمال الإفريقي، الذي بدأ جزائريا من حيث النشأة وانتهى مغاربيا من حيث الأهداف والمطالب. وأيضا جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين التي مثلت بحصر نشاطها حول كل ما له صلة بمقومات الهوية المغاربية، لتقدم نموذج متقدما للعمل المشترك.
عوامــــــل داخليــــــــة وخارجيــــــة وإقليمية أدت لانعقاد المؤتمر
بعدها جاءت مرحلة مؤتمر طنجة كأهم محطة وحدوية مغاربية من 28 إلى 30 أفريل 1958. ومن العوامل التي أدت إلى انعقاده، شعور المغاربة بوحدة المصير والتضامن المشترك في مواجهة الأخطار الكبرى، إذ تساندت الحركات الوطنية وتضامنت لمواجهة القوة الاستعمارية، وهبت لإعلان تكاتفها خلال مرحلة المقاومة المسلحة. وقد ظلت الشعوب تسعى إلى تجربة الكفاح المشترك وذلك بين عامي 1954-1956، وقاومها المستعمر وهو ما أدى إلى منح تونس والمغرب استقلالهما وبروز تضامن مغاربي فريد من نوعه مع حرب الجزائر، لتتعالى الأصوات بالدعوة إلى التضامن والوحدة المغاربية.
عرف الشعور بوحدة المغرب العربي تطورا كبيرا، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وهذا يعود لعدة عوامل تاريخية منها: مشاركة شباب البلدان الثلاثة في الحرب العالمية الثانية إلى جانب فرنسا عن طريق التجنيد الإجباري، مما أكسبهم خبرات عسكرية ودقت التخطيط، مخالفة فرنسا لوعودها لمنح المغاربة الاستقلال فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهور جامعة الدول العربية 22 مارس 1945م، حيث تضمن ميثاقها العمل على تحرير كل البلدان العربية المستعمَرة بما فيها دول المغرب العربي.
موازاة مع ذلك، ظهور هيئة الأمم المتحدة التي أصبحت قبلة للحركات التحريرية من أجل المطالبة بحريتها واستقلالها، استنادا إلى المبادئ التي تأسست من أجلها، ظهور حركة عدم الانحياز التي ضمّت في صفوفها الدول التي كانت تحت الاستعمار والتي رفعت شعار “العمل على تحرير الدول التي مازالت تخضع للاستعمار”، الحرب الباردة التي شكلت متنفسا للحركات التحريرية في إطار الصراع الدائر بين المعسكرين الشرقي والغربي، وما جعلها تتفرغ لمعالجة شؤونها الداخلية والإقليمية وغيرها.
أظهرت جبهة التحرير في بيان 01 نوفمبر 1954، البعد المغاربي لثورتها التي تسعى لتحقيق اتحاد المغرب العربي، الذي يعد أحد الأهداف السياسية لنجم شمال إفريقيا الذي جمع نضال الحركة العمالية المغاربية.
في هذا الصدد، أوضح أستاذ التاريخ بجامعة الشلف بن شرقي حليلي، أن هناك عدة ظروف منها داخلية، إقليمية وخارجية عجلت بعقد المؤتمر، منها محاولة عزل الثورة عن تونس والمغرب، إقامة الأسلاك الشائكة على الحدود وتهجير السكان قسريا، الوحدة السورية المصرية وظهور تيار وحدوي بين العراق والأردن وغيرها، مشيرا إلى أن قرارات المؤتمر ولدت ميتة ولم تتحقق إلا القليل منها، بسبب وجود نظرة براغماتية بالمغرب وتونس، هذه الأخيرة هي من خرق الاتفاق، بإمضاء معاهدة “إكلي” سنة 1958 مع الشركات الفرنسية، ضاربة بذلك قرارات طنجة عرض الحائط. وبحسبه، فإن هناك جانبا إيجابيا، كون المؤتمر كان منفذا لجبهة التحرير الوطني.
علما أن هذا المؤتمر دعت إليه الهيئات الشعبية الممثلة لبلدان المغرب العربي؛ وهي حزب الإستقلال (المغرب)، حزب الدستور الجديد (تونس)، جبهة التحرير (الجزائر)، انعقد من 28 إلى 30 أفريل 1958 بطنجة وكان أول وآخر اجتماع لتوحيد منطقة المغرب العربي، بحيث درس عدة نقاط، منها تشكيل مجلس استشاري للمغرب العربي ينبثق من المجالس الوطنية المحلية في الأقطار الثلاثة (المغرب، تونس والجزائر).
وتكون مهمته دراسة القضايا ذات الاهتمام المشترك في بلاد المغرب العربي، وتقديم التوصيات بخصوصها للسلطات التنفيذية المحلية، بحث قيام اتحاد فدرالي بين البلاد المشتركة في المؤتمر، تأسيس أمانة دائمة من ستة أعضاء (مندوبين عن كل حركة شعبية مشتركة في المؤتمر) لضمان تنفيذ مقررات المؤتمر.
وبالمقابل، حدد قادة الثورة التحريرية، منذ انطلاقه هدفا استراتيجيا يتمثل في تدويل القضية الجزائرية وإخراجها من النطاق الفرنسي وفرض اعتراف المجتمع الدولي بها، وقد اقتضت الخطوة الأولى نحو التدويل، ضرورة بلوغ أهدافها الإقليمية بتجسيد الاعتراف بها والتضامن معها في إطار الشمال الإفريقي وفق ما رسمته وثيقة نوفمبر.
في مقابل ذلك، أدركت إدارة الاحتلال دقة الموقف الذي تواجهه في المغرب العربي بدخول الجزائريين معركة التحرير، إذ أصبح جيشها يحارب على ثلاث جبهات في رقعة جغرافية واحدة مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر إذا توحدت حركات المقاومة.
ظل الخوف من توحيد المقاومة في المغرب العربي هاجس إدارة الاحتلال، التي كانت على علم بمشروع ونشاط لجنة تحرير المغرب العربي في القاهرة وسعي رئيسها عبد الكريم الخطابي؛ إلى إنشاء جيش تحرير المغرب العربي. بل إن الأخطر من كل ذلك، هو محاولة زرع الشك واقتلاع ثقة جبهة التحرير نهائيا، بشركائها وترك الانطباع لدى قيادتها بوجود الخيانة في صفوف التونسيين والمغاربة.
وقال پيير منديس فرانس، في مرسيليا بتاريخ 26 ديسمبر 1955: “يتطور الوضع في الجزائر بنفس طريقة الشرق الأقصى، هل سندخل في مشبك أفريقي مشابه لمشبك الهند الصينية؟”.