طباعة هذه الصفحة

لعب دورا كبيرا في تكوين الشبان وتربيتهم على حبّ الوطن والدين

الشهيد بوراس رائد الكشافة الإسلامية الجزائرية

سهام بوعموشة

 

 

يعد محمد بوراس رائد الكشافة الإسلامية الجزائرية، التي قامت بدور كبير في تكوين الشبان وتربيتهم على حبّ الدين والوطن وتحمل المسؤولية ومواجهة الصعاب، لأنها جمعت بين رسالة الإصلاح وأهداف الحركة الوطنية.
ولد محمد بوراس بمدينة مليانة عام 1908، من عائلة متوسطة الحال، كان أبوه يعمل بناء بمليانة، بحيث تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة الفرنسية بمسقط رأسه، لكنه غادر مقاعد الدراسة في سنّ مبكرة بعد حصوله على الشهادة الابتدائية وبعد ذلك التحق بمدرسة «الفلاح» لمواصلة الدراسة باللغة العربية، ثم انضم إلى الجمعية الرياضية بمدينة مليانة لممارسة رياضة كرة القدم، فأصبح عضوا لامعا في الفريق المحلي.
وفي عام 1926، انتقلت عائلته إلى العاصمة، واستقرت بحي سانت أوجين بولوغين حاليا، فتمكن من الحصول على عمل بمطحنة للحبوب، وأثناء العمل بها تعلم الكتابة على الآلة الراقنة وفي الأخير عثر على وظيفة بميناء العاصمة عام 1930. وبعد ظهور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931 وتأسيس نادي الترقي ومدرسة الشبيبة بالعاصمة، وجه اهتمامه لهذا النادي الذي ظلّ يتردد عليه لحضور دروس الجمعية.
وفي نفس الوقت ظلّ يتابع الدروس باللغة العربية بمدرسة الشبيبة، ولما منعت الإدارة الفرنسية شيوخ الجمعية من إلقاء الدروس بالمساجد شارك في المظاهرات، التي جرت بالعاصمة ضدّ هذا القرار التعسفي. وفي احدى زيارات العلامة ابن باديس للجزائر العاصمة، ألقى درسا بنادي الترقي امام جمع من المواطنين تحدث فيه عن خطورة انتماء الشبان الجزائريين، إلى الفروع الكشفية الفرنسية التي كانت تلقنهم تعاليم الدين المسيحي، وتغرس في نفوسهم فكرة الجزائر فرنسية.
اغتنم محمد بوراس الفرصة واتصل بالشيخ ابن باديس وأعرب له، عن استعداده لإنشاء فرع كشفي إسلامي يكون بديلا عن تلك الفروع التي تستهوي الشباب الجزائري، فوجهه ابن باديس الى دراسة قانون الجمعيات الصادر عام 1901، ليقوم بالإجراءات الإدارية المطلوبة.
أنشأ أول فوج كشفي إسلامي عام 1935 اسمه «الفلاح»
وطلب من ممثل الجمعية بالجزائر الشيخ الطيب العقبي مساعدته، وهكذا توصل الشهيد بمساعدة جمعية العلماء الى انشاء اول فوج كشفي اسلامي عام 1935، أطلق عليه اسم «الفلاح» وقام بدور كبير في شدّ اهتمام الشبان الجزائريين الى الانخراط فيه وساعده على ذلك شيوخ الجمعية وفي مقدمتهم رئيسها الذي تولى رئاسة فوج «الرجاء» شرفيا بمدينة قسنطينة فأعطى دفعا كبيرا للنشاط الكشفي.
أخذت الإدارة الفرنسية تنظر الى نشاط هذه الجمعيات الكشفية الإسلامية، نظرة ارتياب وشك فحرمتها من المساعدات التي كانت تمنحها  للفروع الكشفية الفرنسية، وأكثر من ذلك اتخذت إجراءات إدارية ضد قادة أفواجها فمنعتهم من تنظيم الحفلات والمخيمات التي لا تسمح بها إلا للكشافة الفرنسية، كانت فروع الكشافة الإسلامية تحيي المناسبات الدينية، وتنظم الحفلات المدرسية بعروض مسرحية وأناشيد وطنية بالإضافة إلى تنظيم جولات في الغابات وممارسة بعض الألعاب الرياضية لجذب الفتيان الجزائريين إليها.
فكانت عناصر الكشافة الإسلامية الجزائرية تصدح بالأناشيد الوطنية، في تلك الحفلات والجولات لتؤكد اختلافها عن المجتمع الفرنسي، فانقلبت عليها الإدارة الفرنسية واتهمت قادتها بأنهم اعتنقوا مبادئ الحركة الوطنية، وأفكار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لذا حاولت عناصر من المعمرين الانضمام إليها بهدف بثّ البلبلة والفوضى، وتشتيت الصفوف والتجسس على نشاطاتها لصالح السلطات الاستعمارية.
فكر الشهيد بوراس عام 1939 في إنشاء اتحادية تضم جميع الأفواج، وفي لقاء تنسيقي تشاوري مع بعض قادة الجمعيات الكشفية المحلية بالعاصمة وضواحيها، أكد بوراس على ضرورة الاتصال بقادة الجمعيات المحلية في كل من قسنطينة وتيزي وزو وتلمسان وسطيف وقالمة وغيرها من المدن الجزائرية، لإقناعهم بضرورة تأسيس اتحادية للكشافة الإسلامية الجزائرية، وفي هذا الإطار راسل الشهيد عددا من رؤساء الفروع وزار الكثير منهم لإقناعهم بالفكرة.
وفي جويلية من نفس السنة التقوا بحي الحراش بالجزائر العاصمة، في اجتماع دام ثلاثة أيام توج في النهاية بتأسيس اتحادية الكشافة الإسلامية التي ترأسها محمد بوراس، لكن ظروف الحرب العالمية الثانية والتخوفات التي كانت تحيط بهذه الفروع لقربها من الأحزاب المحظورة، ونظامها شبه العسكري صعب من عملية إقناع الشبان المتعلمين بالانخراط فيها، فلما انهزمت فرنسا أمام ألمانيا النازية عام 1940، قرّرت حكومتها ضمّ جميع أفواج الاتحادية في هيئة رسمية تشرف هي عليها، إلا أن محمد بوراس رفض القرار الجائر وسافر إلى فرنسا للتفاوض مع الحكومة الفرنسية، فوجد عندها تعنتا كبيرا.
كانت الجوسسة الفرنسية تتابع تحركاته داخل وخارج الجزائر، فلما علمت أنه إلتقى بمن كانوا يمثلون ألمانيا النازية وبالحلفاء خافت أن ينجر عن هذه الاتصالات ما لا تحمد عقباه، بالنسبة لهيبتها في الجزائر التي كانت تعتبرها إحدى مقاطعاتها، فألقت القبض عليه وقدمته للمحاكمة بسرعة، بعدما وجهت له تهما خطيرة تصل عقوبتها إلى الإعدام، فلما عرضت قضيته على المحكمة العسكرية بحسين داي أصدرت في حقّه حكما بالإعدام رميا بالرصاص، وأسرعت السلطات العسكرية إلى تنفيذه بميدان الخروبة في الـ27 ماي 1941.