طباعة هذه الصفحة

معركة الجرف الشهيرة في 22 سبتمبر 1955 بتبسة:

انكسرت فيها شوكة الاستعمار

درست في الكلية الحربية الفرنسية كنموذج لحرب العصابات

تعتبر معركة الجرف من أشهر المعارك المسجلة في تاريخ حرب التحرير الوطني، التي أبلى فيها المجاهدون البلاء الحسن في مواجهة الاحتلال الفرنسي، بحيث دامت من 22 سبتمبر إلى 29 سبتمبر 1955، بقيادة بشير شيهاني وعباس لغرور وعاجل عجول، وصل صيتها إلى المحافل الدولية ودعمت نتائج هجومات 20 أوت 1955 في تدويل القضية الجزائرية. وكانت فرنسا قد خسرت فيها جيشا كبيرا وعتادا باهضا ولذلك قامت بتدريس هذه المعركة في الكلية الحربية سان سير كنموذج لحرب العصابات. ومن أهم المعارك التي لها دلالة واضحة هي معركة جبل أرقو (تبسة) بقيادة الشهيد لزهر شريط في جويلية 1956 والتي أصيب فيهاالعقيد بيجار برصاصة قرب قلبه وانكسرت فيها شوكة الاستعمار ومظلييه القادمين من الهند الصينية.
وقد خلفت المعركة خسائر بشرية تراوحت ما بين 600 إلى 700 جندي، وإصابة الطيران وعشر دبابات وثلاثين مزمجرات، و60 شاحنة و150 قطعة سلاح، عشرين ذخيرة حمولة، عشرين جهاز لاسلكي، وبالمقابل استشهد حوالي 170 مجاهد، وقد خلدها الشاعر محمد الشبوكي في احدى قصائده نذكر مقطعا منها:
سلُوا جبل الجرْف عن جيشنا...... بخبّركمُ عن قُوى جأشنا
ويعلمكُم عن مدى بطشنا....... بجيْش الزعانفة الآثمينْ
ففي فجر يوم 22 / 09 /1955 نشبت معركة بنواحي تبسة على أشدها من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية، ضد وحدات المجاهدين المتواجدة بقلعة الجرف وبدأت بقصف مدفعي مكثف كتمهيد لتقديم وحداتها، إثرها حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية التقدم على جبهات ثلاث (شرقية وشمالية وجنوبية)، واقتربت كتيبة دبابات يتبعها فيلق مشاة من اللفيف الأجنبي باتجاه المدخل الشمالي لمدخل الجرف.
باقترابها من المدخل نفدت الخطة من طرف المجاهدين، حيث تمّ إحراق الدبابتين الأماميتين وعطب أربعة أخرين، وكان الالتحام بالقوات الاستعمارية عن كثب بحيث لم ينجو من فيلق المشاة إلا قليل. وفي الجولة الأولى للمدخل، تراجعت قوات الاستعمار خائبة وغنم المجاهدون كميات هائلة من الأسلحة الأتوماتيكية، التي بقيت منتشرة بجانب الجثث المرمية بعضها فوق بعض.
 في تلك اللحظات الحاسمة قدمت أسراب من الطيران المقاتل، مركزة قصفها على موقع الجرف، وتواصل القصف المكثف حوالي نصف ساعة حاولت القوات الاستعمارية التقدم على الجبهات الثلاثة، فاستدرجت في تقدمها تبعا للخطة الثورية المتعبة، فنشبت المعركة على أشدها بين جانبين لمدة ثلاث ساعات متتالية أجبرت القوات الاستعمارية على التراجع.
فضربت من الخلف على الجبهات الثلاثة، سادها ارتباك وذعر مخيف، حاولت التخلص من الهجومات الخلفية بتدخل سلاح المدفعية، لكنها لم تنجح حينها تقدمت وحدات المجاهدين من عساكر الفرنسيين، نظرا لعدم جدوى القصف المدفعي، وتواصلت المعركة بين الجانبين للمرة الثانية في اليوم الأول وحاولت القوات الاستعمارية إنقاذ قواتها فاصطدمت بجنود المجاهدين المحاصرين للعدو، كما حاولت القوات الاستعمارية عن طريق المساعدات التي لحقت، فأصبحت المعركة بين جبهات متعددة جبهة المجاهدين بموقع الجرف، هجوم استعماري مقابل تطويق من وحدات من المجاهدين ضد القوات الاستعمارية المشتبكة مع الجبهة الأولى اشتباك ثاني لصد نجدات العدو.
وفي تلك الليلة تمّ القضاء على القوات الاستعمارية المحاصرة، كما تمّ غنم أسلحة أوتوماتيكية، وكميات هائلة من الذخيرة ومدفعين (بازوكا) وجهاز إرسال واستقبال لاسلكي.
في صبيحة اليوم الثاني من المعركة، بدأت القوات الإستعمارية بالقصف طويل المدى بالطائرات بناحية الدرمون شرقا وغربا، تمركزت شرق رأس العش، وبعد انتهاء القصف طويل المدى قصفت مدفعية الهاون لحماية تقدم الوحدات واقترابها من المجاهدون.
في مساء هذا اليوم قدمت نجدات من المجاهدين الأشاوس الذين يدفعهم قوة الإيمان بقضيتهم، وفك الحصار عن إخوانهم، واشتعلت النيران بين الطرفين من جديد فوجدت القوات الاستعمارية نفسها محاصرة من الطرفين، وفشلت خطة هجوم الاستعمار الفرنسي لليوم الثاني، ولم يخرج من قوات الاستعمار إلا القليل جدا فارا بنفسه بدون سلاح.
في فجر اليوم الثالث حاولت القوات الاستعمارية، التقدم على جبهات ثلاثة من مواقع الجرف اشتعلت النيران بين الطرفين على أشدها لمدة أربعة ساعات، ولم تستطع التقدم واضطرت إلى التراجع خلف منطقة العمليات بقليل وبدأ القصف الجوي بواسطة أسراب من الطائرات المعززة، والسرب يحتوي على 12 طائرة حربية مقنبلة بقصف مكثف على موقع الجرف في الجبهة الجنوبية لمنطقة المعارك، تمّ إسقاط طائرة استطلاعية من طرف المجاهدين.
فشلت القوات الاستعمارية في تقدمها وفي قصفها الجوي، وبالمدفعية طويلة المدى وسجل انهزامها للمرة الثالثة في المعارك. بحيث خسر العدو ثلاث طائرات، دبابتين، وغنم كمية من الأسلحة الخفيفة الأوتوماتيكية، وكميات معتبرة من الخراطيش، وفي اليوم الرابع والخامس والسادس تلقت أيضا نفس الهزيمة، تكبدت خلالها خسائر في الأرواح والمعدات الحربية، وتمّ التحطيم الكلي لدبابتين، وبالمقابل استشهاد عدد من المجاهدين وجرح آخرين.