طباعة هذه الصفحة

التحق بصفوف جبهة التّحرير في 1955 بجبل بوعريف

الشّهيد الطاهر عباس مثال للإخلاص والانضباط والتّضحية

سهام بوعموشة

ولد الشهيد الطاهر عباس المعروف بسي عباس سنة 1928 ببلدية دوفانة بدائرة تيمقاد حاليا، نشأ في أحضان أسرة اشتهرت بالعلم وتدريس القرآن الكريم، وتحفيظه للطلبة الوافدين على الزاوية، انكبّ على حفظ القرآن منذ صغره، ولمّا حفظ ما تيسّر له، قام المدرّسون بالزاوية بتلقينه بعض المبادئ الأولية في اللغة وعلوم الدين مع أقرانه.
أظهر نبوغا وتفوّقا في الدراسة منذ صغره، ممّا جعل والده سي صالح يوجّهه إلى معهد الامام عبد الحميد بن باديس بقسنطينة سنة 1948 ليواصل دراسته، وفي تلك الأثناء احتكّ ببعض الطّلبة ممّا جعله ينخرط في صفوف الكشافة الاسلامية التي نمت فيه الرّوح الوطنية، ممّا كوّن لديه مزيدا من الوعي الوطني والسياسي، وبعد رجوعه من قسنطينة وجد تيار الحركة الوطنية قد سبقه إلى عمق الأوراس، ممّا دفعه إلى الانخراط في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية.
نتيجة لنشاطه وجده في العمل، وإيمانه بالقضية الجزائرية، قام زعماء هذه الحركة بتعيينه مسؤولا على رأس خلية الحزب بهذه الجهة سنة 1950، ولكنّه لم يستقر كثيرا هناك، لأنّ والده حرص على إرساله إلى تونس لمواصلة دراسته، سافر إلى تونس ليواصل تعلّمه بجامع الزيتونة ولكنه لم يتخل عن نضاله في صفوف حركة الانتصار.
خلال العطلة الصيفية سنة 1954، التي قضاها الطالب «الطاهر» بمقر زاوية العائلة، علم أن الثورة على الأبواب فتخلى عن الرجوع إلى جامع الزيتونة لمواصلة دراسته، لأنّ الروح الوطنية التي كان يتمتّع بها سيطرت على وجدانه، وبدأ يقوم بنشاط سياسي مكثف على مستوى دوار أولاد فاضل والجهات المجاورة، حيث كان يتّصل بالمناضلين المسجّلين في الخلية التي كان يشرف عليها، ليقوم بتوعيتهم وعقد الإجتماعات معهم، وذلك بهدف تهيئة وتعبئة سكان المنطقة للجهاد.
كان على علم بكل الانشطة السياسية التي كانت تجري على مستوى قيادة الحزب، اطّلع على نتائج اجتماع مجموعة 22 الذي انعقد في جوان 1954، وهذا يعود لاتصالاته المستمرة بمسؤولي الحركة، كان المناضل الطاهر عباس يتقد حماسا ووطنية وينتظر موعد انفجار ثورة التحرير بشوق، لم يكن خلال تلك المرحلة يعلم ككل المناضلين على المستوى الوطني، موعد اندلاع الثورة إلا أنه كان على قناعة تامة بقرب مرحلة اللجوء الى الكفاح المسلح كوسيلة للتخلص من الاستعمار، كلّف من قبل القيادة ببث الوعي لدى أبناء الجهة لمساندة الثورة في انتظار توفر الاسلحة.
التحق سي الطاهر عباس بصفوف جيش التحرير الوطني، مع مطلع سنة 1955 بجل بوعريف، ونظرا لوعيه السياسي الكبير وثقافته الواسعة ووطنيته الجيّاشة وقدرته على التسيير، تمّ تعيينه مسؤولا على رأس قيادة القسمة الثالثة سنة 1956. وخلال تلك الفترة شارك في عدة معارك بجبل بوعريف منها معركة تيصفراح والثنية الحمراء، شرق جبل بوعريف وغيرهما من المعارك والعمليات العسكرية، وبعد سنة من العمل الجاد عين مسؤولا على الناحية الثالثة من المنطقة الثانية برتبة ملازم ثاني، فكان مثالا للشّجاعة والإخلاص والتحلي بالانضباط وروح التضحية والفداء.
كلّف بعدّة مهام على مستوى الولاية الأولى
اهتم الشّهيد بتنظيم الناحية الثالثة، فكثّف الاجتماعات والتنسيق بين مسؤولي القسمات وتوعية المواطنين، وتكوين اللجان الشعبية وجمع المؤونة، إعداد المخابئ، تكوين المراكز لجيش التحرير الوطني، ممّا جعل ناحية بوعريف تحتل الصدارة في التنظيم والاستعداد لتحمل أعباء الثورة، وذلك بفضل التوعية السياسية التي قام بها خيرة المجاهدين بهذه الجهات ومن بينهم الشهيد. وهذا ما جعل أحد مسؤوليه يقول في إحدى خطبه سنة 1956: «لو كان للثّورة عشرة رجال من أمثال الطاهر عباس وأخويه سي عبد الحفيظ وسي الحشاني، لاستطاعت أن تنظّم نفسها في مدة شهر».
كلّف عدة مرات بمهام تفقّدية على مستوى المنطقة الثانية من الولاية الأولى، ولاسيما في عهدي الرائد علي النمر والحاج عبد المجيد الصمد، وفي سنة 1957 بينما كان في جولة عمل مع النقيب محمد عرعار بوعزة تمكّن العدو من اكتشاف مكان تمركزهما مع مجموعة من المجاهدين بخنقة البخور بأعالي جبل بوعريف، فحشد لهم قوات كبيرة قدمت من مراكز باتنة وجهات مختلفة، فدارت معركة ضاربة دامت يوما كاملا، استعمل فيها العدو كل أنواع أسلحة الفتك والدّمار المتاحة له، حتى الأسلحة المحرّمة دوليا ومن بينها النابلم، أسفرت هذه المعركة عن استشهاد القائدين سي محمد عرعار وسي الطاهر عباس وعدد من المجاهدين.