طباعة هذه الصفحة

في الذكرى 59 لاستشهاد الربيع بوشامة

شارك في مظاهرات الثامن ماي 1945 وخلدها بشعره في قصيدة

ولد الربيع بوشامة في ظروف طبيعية قاسية، فرضتها الحرب العالمية الثانية في ديسمبر 1916 ببلدية قنزات ولاية سطيف، ولما بلغ سن الخامسة إلتحق بالكتاب لحفظ القرآن الكريم، ثم سجله والده بالمدرسة لتعلم اللغة الفرنسية حين بلغ السادسة، ولما وصل إلى مستوى الشهادة الابتدائية انقطع عن الدراسة وتفرّغ لحفظ القرآن الكريم، بعدها انضم إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصبح عضوا نشطا فيها.

في عام 1938 أوفدته الجمعية إلى فرنسا ليساعد في النشاط الإصلاحي في صفوف الجزائريين المغتربين، ولكنه سرعان ما رجع بعد استدعائه لإجراء الفحص الطبي لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية ونظرا لضعف بصره أعفي من ذلك، وبعد إعفائه انتقل إلى مدينة قسنطينة لمواصلة طلب العلم على يدّ شيوخ الجمعية، وفي مقدمتهم عبد الحميد بن باديس الذي لازم الربيع دروسه حتى وفاته في أفريل 1940.
رجع الربيع إلى مسقط رأسه متأثرا بوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وبمبادئه التي كان ينادي بها، فاستوعبها وإلتزم بها طوال حياته، أثار نشاط الربيع بوشامة بمسقط رأسه شكوك الإدارة الإستعمارية، فتمّ استدعاؤه عدة مرات وهدّدته بالنفي إن لم يتخل عن نشاطاته التي كانت تقلقها، مما جعله ينتقل إلى خراطة عام 1942 كمعلم في المدرسة الحرة هناك.
شارك بوشامة في مظاهرات الثامن ماي 1945، وهو في خراطة، وخلّدها بشعره في القصيدة التي عنوانها: «في ذكرى فواجع الثامن ماي»، لأنه أعتقل وعذب ثم قدم إلى المحكمة التي أصدرت في حقّه حكم الاعدام بسبب مشاركته في تلك المظاهرات، ولما استأنف الحكم تحصل على البراءة لعدم ثبوت الأدلة ضده، فأطلق سراحه في أواخر فبراير 1946، وبعد بضعة أشهر من إطلاق سراحه انتقل إلى العاصمة، فعلم بمدرسة «الهداية» في حي العناصر منذ جويلية 1946 مدة أربع سنوات، وبعد ذلك انتقل إلى مدرسة «الثبات» بالحراش، كمعلم ثم مدير ابتداء من سنة 1949.
وفي أوت 1952، انتدبته جمعية العلماء المسلمين، إلى فرنسا كمعتمد لها ورئيس شعبتها المركزية بباريس، وبعد مرور سنة هناك رجع إلى مدرسة «الثبات» من جديد، أثناء عمله في هذه المدرسة انضم إلى الحركة الوطنية من خلال احتكاكه بمناضليها ومنهم «عميروش» الذي كان منتسبا لشعبة جمعية العلماء بفرنسا، ولما اندلعت الثورة التحريرية، تجاوب معها وأنشد فيها قصائد عديدة عبر فيها عن إيمانه وتعلقه بها، ولما قيل له ذات يوم لم تشاءمت من شهر ماي؟ أجاب بالقول:
تشاءمت منه نتيجة المجازر التي ارتكبتها فرنسا في حق الجزائريين في الـ8 ماي 1945، لأنني عانيت ما عاناه الجزائريون من مجازر بشعة، قتل بالجملة، رمي للجثث في الشعاب والأودية، انتهاك للحرمات، وتعذيب بشع... ومما قلته عن هذا الشهر في إحدى قصائدي:

قبحت من شهر مدى الأعوام
يا «ماي» كم فجعت من أقوام
شابت لهولك في الجزائر صبية
وانماع صخر من أذاك الطامي

ولم ينس الربيع المرأة فقد خلّدها في قصيدة بعنوان «حي بنت الكرام» ومطلعها:

حي بنت الكرام «ليلاي»
واحمل لسانها مسرة الأوراد
جاهدي في تحرير شعب كريم
 مستكين يئن في الأصفاد

لم يتخل عن نضاله رغم مضايقات الإدارة الاستعمارية

في مطلع عام 1957، اتصل الشهيد بجيش التحرير سرا، وبعد مرور شهر على هذا الاتصال ظهر اسمه في إحدى الجرائد الاستعمارية، من خلال نشر رسالة عثرت عليها قوات البوليس عند أحد الفدائيين، ولحسن الحظ كان الاسم «بوشامة طالب»، بعد هذه الحادثة تنقل الربيع إلى سطيف وقسنطينة، مستظهرا البطاقة المهنية «مفتش بمدارس جمعية العلماء» لإبعاد الشبهة عنه، ولكنه لم يتخل عن نضاله لفائدة الثورة واتصاله بجيش التحرير.
وفي بداية سنة 1959، بدأ الوضع يتأزم بعد تفكيك شبكة من الفدائيين، كانت تنشط بحي «صالومبي» المدنية حاليا، وألقت القبض على عدد كبير من المناضلين، وبعد استنطاقهم تأكد العدو من تعاون الربيع مع الثورة، فتوجهت قوات الدرك إلى المدرسة التي كان يعلم فيها ويديرها، ولما رأت العلم الفرنسي ممزقا وجهت له تهمة إهانة العلم الفرنسي، لكن الشهيد أدرك أن العلم ما هو إلا حجة مصطنعة لإلقاء القبض عليه، وقد تمّ تمزيقه ليلا من طرف عناصر مجهولة دخلت المدرسة.
أثناء وجوده موقوفا تذكر كل الصور الفظيعة من القمع الوحشي، الذي أقدمت عليه السلطات الفرنسية ضد المتظاهرين سلميا في 8 ماي 1945، فخطر بباله كتابة قصيدة جديدة عندما يعود إلى المنزل، وبعد إطلاق سراحه قدمت الشرطة السرية إلى بيته ليلا ومعها أحد الخونة فقامت بتفتيش المنزل، وأخذت معها كل الأوراق والجرائد والقصائد التي قالها الربيع تأييدا للثورة، قرأها الخائن وترجمها للضابط الذي اقتاد الشهيد الى مركز البوليس  واتهمه بالتحريض على خرق القانون والتستر على المجرمين والتعاون معهم، وسجن في زنزانة مظلمة.
بقي الشهيد تحت التعذيب، ثم حُوّل إلى مزرعة لأحد المستوطنين بقرية الأربعطاش شرق العاصمة، حيث مورست عليه أقصى أنواع العذاب، بقي يعاني مدة تفوق ثلاثة أشهر حتى فقد بصره، وبعد استشهاده أعلن الدرك الفرنسي عن وفاته بتاريخ 14 ماي 1959، بضواحي بودواو دون التصرح بأنه هو مرتكب الجريمة.