طباعة هذه الصفحة

المجاهدة «عرجونة» أرملة الشهيد «شرابن»

كانت تطلي وجهها بالفحم وتشعل النار فوق رؤوس المجاهدين لتمويه العدو

خنشلة: حجازي اسكندر

«ما ننساش واش دارت فيا فرنسا»، هكذا أجابتنا المجاهدة «عرجونة مصرانة» الطاعنة في السن عند ردها على سؤال «الشعب»، فما تزال تتذكر أهم المحطات في مشوارها الجهادي خدمة للمجاهدين إبان ثورة نوفمبر المجيدة، محطات تروي تفاصيلها قصة امرأة «سبّلت» نفسها لتحرير الجزائر رغم قوة المستعمر وجبروته.
بلغت من العمر 92 سنة ولدت بريف المحمل سنة 1926، لم تتأخرعند اندلاع ثورة نوفمبر سنة 1954 عن تقديم الخدمات للمجاهدين فور التحاق زوجها الشهيد «شرابن لخضر» بالجبل بمنطقة «أولاد أرشاش» أين باشرت عملها في الطبخ والغسيل وإخفاء المجاهدين ببيتها في بداية الثورة التحريرية. وبعد اكتشاف أمرها من المستعمر بعد وشاية المخبرين تمّ نقلها إلى الجبال بمنطقة «ويلال» بدائرة «أولاد أرشاش».
الحاجة «عرجونة» تتذّكر جيدا لحظة وصولها لمنطقة «ويلال»، حيث وجدت ببيت عائلة «شلغوم» وفقا لشهادتها خلية من النساء المجاهدات تعكفن على طبخ عدة أطباق تقليدية للمجاهدين كالكسكسي والكسرة وتحضير القهوة وكذا غسل الملابس وغيرها من الخدمات لفائدة أزواجهن المجاهدين ورفاقهم بهذه المنطقة.
ومن بين شهادات هذه البطلة المجاهدة «عرجونة»، أنهن كن عند سماع صوت طائرات المستعمر تحوم بالمنطقة يسارعن إلى نزع ثياب المجاهدين من الحبال المنشورة عليها وإدخالها وإخفائها في البيوت حتى لا يكتشف أمرهن، كما أنها تتذكر «الكازمة» أي الحفرة الكبيرة التي أنجزها «عصمان علي» ببيتها بدوار «المحمل»، أين كانت تخفي المجاهدين عند قدومهم للتزود بالمئونة، حيث تقوم بتمويه جنود فرنسا عند اقتحام المنزل بوضع الطاجين فوق «الكازمة» وإشعال النار وتحضير الكسرة وإطعام الجنود حتى لا يكتشف أمر المجاهدين.

.. على قائمة المطلوبين من السلطات الاستعمارية

عرجونة أرملة شرابن الذي استشهد سنة 1960، بالجبل بذات المنطقة، كانت من بين المجاهدات اللواتي وشين بهن الخونة إلى المستعمر بالاسم واللقب واسم الزوج المجاهد والدوار المقيمة به وغيرها من التفاصيل التي جعلت المستعمر يضع اسمها على قائمة المجاهدات المطلوب القبض عليهن، وأمام هذا الوضع تتذكّر أنها في عديد المرات كانت عند قدوم دوريات التفتيش تلجأ إلى طلي وجهها بالفحم أو بقايا أسفل الطاجين لإخفاء ملامحها عن العساكر والخونة.
تركها زوجها مستشهدا في ساحة الوغى سنة 1960، بطفلين وثلاث بنات، واصلت مشوار الجهاد إلى غاية الاستقلال لتنتقّل إلى العيش بمدينة «خنشلة»، وهي الآن تعيش بشقة من غرفتين بعمارات «ديكا». بعدما زوّجت أبنائها وبناتها وعاشت وتعيش لحظات ازدياد أكثر من 20 حفيد وحفيدة، وكذا ازدياد أبناء وبنات أحفادها.
يبدوا أن مسيرة العطاء للوطن وتكبّد معاناة ومشاق وويلات محاربة فرنسا، أنصفت الحاجة «عرجونة» حياة هنيئة وجد بسيطة وقناعة نادرة في شقة من غرفتين وهي في العقد العاشر من العمر في حالة صحية جيدة، فما زالت تتكلّم وتمشي وتتذكر وتضحك وتتمنى الخير والأمان لجزائر الاستقلال بوجه منير تنبع منه بطولات عطاء مجاهدة جزائرية بكل ثقة وإخلاص.