طباعة هذه الصفحة

نـالت وسـام «المقاوم» في 2014

المجاهدة ظريفة محمدي نذرت روحها وحياتها لتحرير الجزائر

باتنة: لموشي حمزة

عادت بنا المجاهدة الكبيرة  ظريفة محمدي إلى سنوات الثورة المجيدة بمنطقة بوزوران ببلدية أولاد عوف بولاية باتنة، أين قضت طفولتها، وكابدت الويلات في نضالها ضد المستعمر، وعاشت فرحة الاستقلال بعد تضحيات جسام قدّمتها المجاهدة في أحد أهم مراكز الثورة المجيدة بعمق الأوراس.
ما تزال الذاكرة الجماعية للجزائريين تحتفظ بصور كثيرة ونماذج حيّة لنساء صنعن التاريخ، خاصة بمنطقة الأوراس التي تزخر بمجاهدات خدمن الثورة وجاهدن في سبيل استرجاع الحرية، حيث اختارت جريدة «الشعب» في ذكرى اندلاع الثورة أن تسترجع رفقة المجاهدة ظريفة محمدي بعض المحطات الحاسمة في تاريخ ونضال المرأة الجزائرية إبان الثورة، وكانت المجاهدة ظريفة أنموذجنا في تلك التضحية.
ظريفة محمدي إحدى خنساوات الثورة المظفرة زوجة البطل مخلوفي محمد بن لمبارك مجاهدة في صفوف جيش التحرير الوطني من مواليد 1928 بأولاد عوف بباتنة، مناضلة حفرت اسمها إلى جانب مناضلات أخريات في ذاكرة ثورة تحرير الجزائر بمنطقة الاوراس وجدناها خلال زيارتنا لها بمنزلها بمدينة عين التوتة،  في كامل أناقتها التاريخية شامخة بجرأتها في استحضار بطولات الجزائريين بأولاد عوف فخورة بتضحياتها ومتألمة لفقدانها بنتيها خلال الثورة، تقاوم المرض الذي لم ينل من ذاكرتها وحبّها للوطن متحدية إياه بطريقتها رافقنا في زيارتها قريبها الأستاذ عمار محمدي رئيس جمعية «بانوراما» الثقافية.

العمل ليلا ونهارا لإطعام وإيواء المجاهدين في مركز مخلوفي محمد بن لمبارك

كشفت لنا ضيفة جريدة «الشعب» أنها تربّت على المقاومة ورفض الإستعمار منذ نعومة أظافرها كغيرها من الجزائريين ولم يكن غريباً أن ترث الحسّ الوطني رفقة كل أفراد عائلتها في ريف مجاهد وشامخ كأولاد عوف.
استنطقت المجاهدة ظريفة محمدي ذاكرتها وعادت بنا إلى تفاصيل معيشتها الثورة بمنطقة أولاد عوف وكيف تمّ حفر خنادق بمنزلها وخارجه لإيواء المجاهدين وإخفاء المؤن، وسرعان ما انخرطت في المقاومة بعد اندلاع الثورة مباشرة رفقة زوجها وكل سكان أولاد عوف.. يتذكرون قدوم أول فوج من المجاهدين رفقة المجاهد «علي أوشريف» لتحمل بذلك دمها وحياتها كلّ يوم على كتفها وتمضي في ثورة تحرير الجزائر من منزلها القديم الذي شهد مرور المئات من المجاهدين مساهمة في الثورة بطريقتها كجزائرية حرة أبية صنعت الملابس التقليدية للمجاهدين كالبرانيس وطهت لهم ولكتائبهم على غرار الشهيد الرمز عزيل عبد القادر المعروف بعيد القادر «البريكي»،كما كان مركزها مخبأ للثوار وملاذا لهم...
تواصل الحاجة «ظريفة» حكاية شجاعتها الإستثنائية وصمودها الأسطوري في وجه المستعمر الفرنسي وهي جالسة بالقرب من «وسام المقاوم» الذي أسداها إياه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سنة 2014، مسترجعة غطرسة الجيش الفرنسي الذي كان يقوم بتفتيش منزلها كل أسبوع تقريبا وعلى مدار 7 سنوات ونصف منذ اندلاع الثورة، للقبض على المجاهدين وإتلاف المؤونة، حيث كانت سندا لزوجها المجاهد، مشيرة إلى أن المرأة الريفية تحمّلت أعباء الثورة في الجبال والقرى والمداشر وكانت السند القوي للمجاهدين من فدائيين ومسبّلين كما قدمت مساعدات كبيرة بالمؤن والعتاد والدعم المعنوي من أجل القضاء على الاستعمار وإفشال مخططاته، ولم تثنها سياسة التنكيل التي انتهجها الاستعمار الفرنسي عن  أداء دورها بكل الوسائل.
ويعتبر تموين الثورة حسب الحاجة ظريفة في تصريح لـ»الشعب»، نشاطا استراتيجيا خلال الثورة، مكملا للنشاط العسكري، الذي لا يمكن أن ينجح ويستمر دون توفر اللباس والغذاء والسلاح والدواء، وهي من المهمات التي أوكلت لها، حيث تروي لنا استقبالها للمئات من المجاهدين القادمين من مختلف ولايات الوطن على غرار استقبالها لـ300 مجاهد من منطقة القبائل إشتغلت بمفردها لمدة تزيد عن الأسبوع في إطعامهم والتكفل بهم، حيث مكثوا بمركزها 3 أيام انتقلوا بعدها إلى تونس لجلب السلاح سنة 1958.

المرأة الريفية تحمّلت العبء الكبير أثناء الثورة

وأكدت محدثتنا أن المرأة الريفية تحمّلت العبء الكبير، فهي التي كانت تعد الطعام، في أكثر من 5 قدور كبيرة بفناء المنزل وتشعل النار في الليل وهو ما يعرض الريف بسبب الوشاية إلى حملات تفتيش وقصف جوي وحصار وتمشيط على غرار ما حدث ذات 4 أوت 1960، عندما قصف المستعمر منطقة قريبة من مركز الحاجة ظريفة استشهد فيه 4 من خيرة أبناء المنطقة بينهم طبيب وتتذكر منهم الشهيدين «مختار أوعلجية» و»البشير أولمبروك»، وجرح العشرات قبل أن يقوم المستعمر بعملية تمشيط واسعة نقلهم بعدها إلى أحد المحتشدات الفرنسية بمنطقة «بريكة»، ولأن المستعمر فاقد لإنسانيته فقد أجبر جرحى هذه المعركة على إرواء عطشهم بشرب مياه واد مخضبة بدماء إخوانهم مستغلين الحرارة الشديدة في فصل صيف ساخن.
 إلى جانب ما سبق عملت المجاهدة ضريفة التي كانت في عقدها الثالث خيّاطة للملابس الصوفية وتغزل النسيج، وتحضر المؤن بالإضافة لدورها كزوجة وأم لـ4 أطفال، ولد و3 بنات، فقدت بنتين واحدة في العامين من العمر والأخرى 9 أشهر، بسبب أعباء الثورة والتزاماتها تجاهها، حيث أصيبتا بمرض فارقتا الحياة بسببه وكذا لنقص العناية بهما.  قصت لنا الحادثة المؤلمة بحزن كبير وعيون مغرورقة بالدمع، خاصة وأن وفاة بنتيها الزهرة ومسعودة لا تفصل بينهما إلا ساعات قليلة فقط سنة 1956.
وتذكر الشاهدة على المرحلة أن أثناء عمليات التموين صعبة جدا وخطيرة،لاسيما وأنها في منطقة جبلية وصعبة التضاريس، تبدأ بطحن القمح ثم إعداد الخبز أو»البربوشة» وهي الأكلات الشعبية التي تكلفها جهدا كبيرا، خاصة وأنها كانت تعمل بمفردها في عزلة تامة عن العالم الخارجي حتى لا يفتضح أمر نشاطها الثوري الحاسم.
وبخصوص مساهمتها في إعداد مخابئ خاصة للمؤن على غرار الدقيق، السكر اللحم، القمح.. إلخ كانت تنقل إليها الأغذية والألبسة بإحدى الغرف المخصصة لتربية الماعز، حيث تمّ حفر قبو كبير تضع فيه المؤونة وبعدها يتم تغطية بفضلات الحيوانات كالماعز حتى لا ينتبه له الفرنسيون خلال مداهمات التفتيش، يضاف لهذا المخبأ 4 أخرى قريبة من المركز، الذي واصلت النضال فيه إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية.