طباعة هذه الصفحة

سلسبيل ربيحة كتيتني

امـرأة حذفــت كلمــــة «المستحيـل» من حيــــاتها

فتيحة كلواز

سنها لا يتعدى الـ19 سنة، السامع إليها يصطدم عند رؤيتها بفتاة يافعة تحمل داخلها أملا كبيرا في غد أفضل تحاول من خلال نشاطاتها المتعدّدة المساهمة في بناء مجتمع سوي، ورغم سنّها الصغير واستصغار المجتمع لها إلا أنها لم تستسلم فلن أغلقوا بابا في وجهها طرقت بابا أخرى فإن الرضوخ يعني لها نهاية مشروع إنسان آمنت سلسبيل بنجاحه منذ نعومة أظافرها.
  حتى نتعرف على سلسبيل كتيتني الطالبة الجامعية التي لم تكتفي بالدراسة فقط، علينا أن نعرّج على طفولتها التي منحتها القاعدة الأساسية لتفكّر في الآخر، سلسبيل الطفلة كانت عادية وعاشت حياة طبيعية في كنف والديه ما منحها مسار دراسي جيد، ولكن وفاة والدها في 2 ديسمبر وهي لم تتعدى الثامنة من عمرها أشعرها بمرارة فقدان والحرمان من شخص كان دائما سند العائلة وطهرها، كانت وفاته صدمة قوية أثرت سلبا على صحة سلسبيل التي أصيبت بالصرع بسبب ذلك وكان عليها وهي في هذه السن الصغيرة مواجهة المرض واليتم ونظرة المجتمع المستضعفة لمن هم في حالتاها.
ولكن هيهات أن تُهزم إرادتها ووراءها امرأة نذرت حياتها لبناتها وضحت بحياتها لأجلهن هي الأم مليكة حماني التي أصبحت الوالدة التي تحنوعليهن وتعلمهن دروس الحياة والأب الذي يتحمّل مسؤولية بناته بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكانت اللبوءة التي تقف في وجه كل من يحاول إيذاء بناتهن، هذه المرأة والقوة التي اتصفت بها أثرت في سلسبيل إلى درجة أنها تجاوزت المرض واليتم وأصبحت تفكر في النجاح فقط لأنها لا تريد أن تكون سببا في ضياع كل جهد بذلته والدتها من اجل إبقاء أسرتها متماسكة ومترابطة مرفوعة الرأس. وبالفعل استطاعت الانتقال بنجاح عبر مختلف الأطوار الدراسية الثالثة إلى أن تحصلت على شهادة البكالوريا وتلتحق بجامعة الجزائر كلية دالي إبراهيم تخصص مالية ومحاسبة وهي اليوم تدرس سنتها الثانية.
«المراهقة سن حياة» مبادرة في العالم الأزرق
أعطت الجامعة لسلسبيل الفرصة لإبراز الجانب المتميز من شخصيتها التي تبحث عن مساعدة الآخر ومد يد العون له، فبدأت في إلقاء محاضرات  شباب الجامعي حول قضايا اجتماعية ونفسية تهم هذه الفئة من المجتمع ورغم أن البعض أن يثبط من عزيمتها فقط لأنها لم تبلغ من العمر سوى 19 سنة إلا أنها لم تهزم في معركة الحياة التي رفعتها ضد الانحراف والابتعاد عن تقاليد المجتمع وأعرافه، وحاولت تحليل مختلف الظواهر التي يعانيها المجتمع مثل المخدرات، العلاقات خارج إطار الزواج، وكل القضايا التي تهم مختلف جوانب حياة الشباب، كل هذه المواضيع وأخرى هي مبادرة شخصية لسلسبيل الباحثة عن مجتمع خال من الأمراض الاجتماعية والنفسية، لأنها السبيل لبناء جيل من الشباب البنّاء والخلاّق في حياته.
ولأنها وجدت الكثير من الصد في مبادرتها التجأت إلى الفضاء الأزرق بغية نشر أفكارها لتحرير الشباب من مشاكلهم بجعلهم يفهمونها عن طريق الحوار الذي غالبا ما يكون غيابه سببا في تفاقمها، ففتحت صفحة خاصة بها عنونتها بـ»المراهقة سن حياة» استطاعت من خلالها الوصول إلى 4400 متابع في مجموعة مغلقة تتميز بتنوع شرائحها العمرية والطبقات الاجتماعية ما يجعل
تأثيرها اكبر وأقوى، قالت سلسبيل أنها من خلال هذه الصفحة نقلت الإعلام التربوي من شاشات التلفاز إلى الفضاء الأزرق الفايسبوك حتى تتمكن من إشراك اكبر عدد ممكن من الشباب في أفكارها مبادرتها.
لأنها تحمل على عاتقها قضية إنسانية حذفت من قاموس حياتها كلمة مستحيل تعلمت لغة الإشارة في 2018، على يد الأستاذ ناجي زكارنة فلسطيني خبير في لغة الإشارة الذي منحها الفرصة لفهم أشخاص عاجزون عن التعبير عن أنفسهم بالكلمات وفي هذا السياق كشفت سلسبيل أن السبب الذي جعلها تتقن هذه اللغة هو شاب في 22 من العمر لا يتقن هذه اللغة رغم حاجته إليها ولسبب أو لآخر كبر دون أن يتعرّف إلى العالم بعيدا عن أسرته لذلك بذلت جهدا لتعلمها من اجله، وحتى تعمّ الفائدة الفت كتابا لم تنشره بعد حاولت فيه تصحيح التعريف الشائع عن لغة الإشارة التي قالت أنها لغة إشارة وتطبيق وهي اليوم تنظر الظروف الملائمة لنشره حتى تعمّ الفائدة على الجميع.
تجربة تتعزّز رغم  صغرالسن
سلسبيل طالبة جامعية تخصص محاسبة ومالية، هاوية كاتبة شعر ونثر، مهتمة بتعليم لغة الاشار وبتحليل مختلف المشاكل التي يعانيها الشباب، لا يتعدى سنها الـ19 سنة قد يقلل البعض من شأن ما تقوم به بسبب العشرة وتسع سنوات التي بلغتها ولكني من الأشخاص الذين يؤمنون بأن تجارب الحياة تجعل من الطفل حكيما وإن لم يبلغ الرشد بعد، وحياة ليست أرقام نعدها مع انطفاء شمعة كل سنة بل تجارب حياة تصنع الإنسان وتصقل شخصيته، ولأنها تحمل داخلها بذرة خير لابد من إعطاء أمثالها الفرصة للتحدث لأنه أيضا تشجيع لكل شخص يبحث عن حياة في توافق مع الآخر مهما كان سنه.