طباعة هذه الصفحة

فراشات تلتحف الرّاية الوطنية

المرأة الجزائرية حاضرة بقوّة في المسيرات السّلمية

فتيحة كلواز

«هنّ» صمّام أمان التّغيير وصنع الغد

على اختلاف أعمارهن وشرائحهن خرجن لتلبية نداء الوطن كما في السابق تماما، فكنّ صمّام الأمان الذي أعطى المسيرات التسع العدة سلميا توافقيا لأنّنا كمجتمع لا نعترف بالمحيط الذي تكون فيه المرأة في خطر، وعلى غير العادة اليوم ستكون المرأة الجزائرية القوة الناعمة التي استطاعت أن تصنع الفارق في الشارع، فكان التحافها العلم الوطني سببا في تغيير ناعم الواقع المعاش، وبعدا آخرا لمستقبل لم نكن لنتأكّد وصوله لولاها.

في كل جمعة تخرج النساء في مختلف ربوع الوطن من أجل المشاركة في المسيرات التي بدأها الشّعب الجزائري يوم 22 فيفري الماضي سننقل لكم اليوم بعض صور لنساء كان «الحايك» والعلم طريقتهن للتعبير عن رأيهن في تزاوج عجيب وجميل بين أمس مضى ومستقبل سنعيشه بإذن الله تعالى.
التفاصيل رصدتها «الشعب» من عمق الحراك الذي دوّخ العالم قاطبا بسلميته وتحضّره، وأزال الصورة النمطية عن عنف الجزائريين المرسّخة في ذاكرة الآخر.

..«نداء وطن»

«هو نداء الوطن» هكذا كانت إجابة «سكينة» التي التقيناها يوم الجمعة بساحة أول ماي بالجزائر العاصمة قادمة من برج البحري، لاحظنا أنّها قادمة لوحدها سألتها عن السبب فأجابت: «قرّرت المشاركة في مسيرات الجمعة حتى أكون واحدة ممّن صنعوا تاريخ الجزائر أجدادنا صنعوا بمقاومتهم للاستعمار، ونحن نصنعه بالخروج في مسيرات لتغيير الواقع الذي أدخل الجزائر في دوامة كانت سببا في انحراف قطار النمو والتطور، ما أدى بكثير من الشباب إلى اليأس في غد أفضل». وأضافت «سكينة» قائلة: «اليوم استطاعت المرأة ان تثبت أنّها رقما مهما في معادلة التغيير بمشاركة صنعت الحدث بل كانت دليلا واضحا على سلمية الحشود التي خرجت من أجل الجزائر، حقيقة أنّ ما تحصّلت عليه المرأة من مكاسب هي مهمة ولكنها لا تكفي ليكون المجتمع متوازنا ومتوافقا لأن الذهنيات هي أساس أي تغيير».
هي عجوز تجاوز سنها العقد السابع بسنتين، جاءت إلى الجزائر العاصمة من بجاية فقط للمشاركة في مسيرة الجمعة التاسعة، سألنا «دوجة - ز» عن السبب فقالت: «قدمت من بجاية منذ يومين للمشاركة في المسيرة التاسعة فقط لأعبر عن رأيي الذي ظنتته لسنوات طويلة لا ينفع، ولكن ما حدث منذ 22 فيفري جعلني أتأكد أن الجزائر تنادي كل أبنائها لاعطائها نفسا جديدا يتواصل مع ذاك الذي منحها حريتها في 1962،
ولكن أستطيع أن أقول أن المرأة اليوم وعلى اختلاف مشاربها و قناعاتها، تصنع الحدث لتثبت مرة أخرى أن المستقبل تبنيه سواعد النساء والرجال دون إقصاء لأي واحد منهما».
وعن السبب الذي جعلها تتكبّد عبء السفر للمشاركة في المسيرة قالت «دوجة»: «ابني ومنذ عشرين سنة ذهب إلى أوروبا (حرّاقا)، وإلى اليوم هو يعيش في فنلندا دون وثائق، تدبّر أمره منذ عقدين من الزمن أتذكّر أنني بكيت كثيرا ورجوته أن لا يذهب، ولكن بعد وفاة والده وبقائنا دون معيل قرر المغامرة بالسفر إلى أوروبا علّه يتمكن من تغيير حياتنا البائسة، وبالفعل استطاع العمل هناك وبدون وثائق، وصار يساعد العائلة ببعض المال الذي كان يجنيه، ورغم أن عمله يتركز في الحقول والمطاعم إلا انه يكسب قوته من اجل عائلته التي كانت السبب في ضياع شبابه ومستقبله في ديار الغربة،. كنت أتمنى عودته دائما ولكن الموت سرقه مني بعد إصابته بداء السيدا، والأمر من ذلك كله أنني لم أستطع إحضار جثته لدفنها في الجزائر لأنّني لم أعلم بموته إلا بعد شهور، لذلك أنا  هنا اليوم لأصرخ بأعلى صوتي لمحاسبة كل من تقاعس، وكان السبب في موت ابني الذي رحل مرتين دون توديعي».
نصيرة شرقي، طبيبة تخذير وإنعاش، تشارك منذ شهرين تقريبا في مسيرة يوم الجمعة هي وأبناؤها الأربعة، اقتربت منها «الشعب» سألتها عن السبب فقالت: «أخرج كل أسبوع رفقة أبنائي حتى يعوا ويعرفوا أن الوطن يبنى بسواعد أبنائه وأنهم المسؤول على خياراته ومستقبله، وأنهم الدم الذي يضخ الحياة في عروق وطن كان لسنوات طويلة في حالة إنعاش، اليوم خرجت المرأة قبل الرجل حتى تقول كلمتها، تثبت حضورها ومساهمتها في التغيير وحتى أكون واحدة من اللواتي صنعن درع السلمية لمسيرة شارك فيها الملايين، فحضور المرأة بقوة يعطي كل مشارك فيها شعورا بالأمان لأن المرأة تعطي شرعية لكل شيء، ولعله السبب الذي جعلها ورقة رابحة في يد الكثير من السياسيين الذين يتلاعبون على وتر حسّاس في المجتمع».
وعن المستقبل قالت نصيرة: «المستقبل نكتبه نحن اليوم بحروف من ذهب، حتى وإن ظن البعض أن الغد أسود ولكن الحقيقة أننا سنخرج من نفق مظلم طال بقاؤنا داخله، هو نفق نتشارك جميعنا مسؤولية دخوله من المواطن البسيط إلى أعلى هرم في السلطة، الكل شارك سواء باستغلال نفوذ في حيازة ما لا يحق له أو في سكوت مذل عن الباطل أو بغفلة عما يجري في الوطن من أحداث أو بانغماسنا في معادلة الخبزة، لذلك خرجت اليوم لأكون ممّن رسموا لوحة جميلة عن الجزائر، لوحة تجمع تنوّعها وتراثها ثقافاتها المختلفة، لأكون وأبنائي ذكرى طيّبة في الذّاكرة الشّعبية لهذا الوطن، أنا اليوم الأم التي تبحث عن مستقبل زاهر لأبنائها، وأنا اليوم الزوجة التي تريد الاستقرار لزوجها في العمل، وأنا اليوم الطبيبة التي تنقذ أرواحا بأمانة وضمير دون تدخل مسؤول من إجل ترك المواطن البسيط والاعتناء بـ «المعارف»...منذ سنتين كدت أن أفقد عملي بسبب رفضي الرضوخ لبروفيسور أرادنا أن نقوم بأكبر عدد ممكن من العمليات الجراحية حتى ترضى عنه الوزارة،
وعندما أعلمته أنّ أرواح المرضى لا يمكن التلاعب بها، قال إنّه سيحمل الخطأ الطبي طبعا يقصد بكتابة تقرير كاذب، عندها انتفضت ولولا وقوف زملائي معي لاستطاع فعل ما يريد، وأنا اليوم هنا لأقول لا لكل أنواع الاستغلال غير الشرعي للمناصب أو وسم وطني».

...هي عيّنات

اكتفيت اليوم بنماذج لسيدات شاركن في المسيرات التي تعرفها الجزائر كل يوم جمعة لأنها أهم صورة نراها في كل يوم، هنّ لا يحتجن إلى كتابة بورتريهات لهن لأنهن اليوم بنات اللحظة...هي عيّنات من ورود جزائرية أرادت الخير لهذا الوطن، هنّ جزائريات صنعن الحدث عبر مختلف القنوات الفضائية، هن حراير سليلات جميلات الجزائر، حملن الراية الوطنية فقط من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، هنّ أمّهات زوجات وبنات وأخوات حملن على عاتقهن مسؤولية وطن، هن نساء آمنّ بجزائر «حرّة ديمقراطية» لا تبنيها إلا نساؤها ورجالها، هنّ آمال، أحلام، دوجة، سكينة، خداوج وأخريات صمّام الامان الذي يقلق غيابه، ويعطي بقاؤه قوة أكبر لجزائر المستقبل.