طباعة هذه الصفحة

«نا شريفة»..

بساطتها جعلتها سيدة الغناء القبائلي دون منازع

«الله الله… الشفاعة رسول الله».
«الله الله… الشفاعة حبيب الله».
«الله الله… الشفاعة رسول الله».
«الله الله… الشفاعة حبيب الله».
بهذه الكلمات الجميلة مدحت سيدة الغناء القبائلي الجزائري، «وردية بوشملال»، التي ذاع صيتها في العشرينات بـ»نا شريفة»، حبيب الله، محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
«نا شريفة» أو «لالة شريفة الزواوية»، ولدت في 9 يناير 1926، لكنها نشأت يتيمة الأبوين، فرباها خالها، الذي تروي المراجع أنه قام بطردها، حين اكتشف أن البنت صاحبة الصوت الرنام، تشدو بترديد الأناشيد والأغاني في حقول الزيتون وفي خلوتها.
 ونتيجة، لأعراف المجتمع القبائلي،في قرية «آيث حالة»، بمنطقة تسمى «الماين»، في  «أقبو» ، التي تكبل المرأة آنذاك ، اضطرت نا شريفة، لمغادرة قريتها، وكانت حينها في  سن 17.
ذكرت «نا شريفة»، في احدى حواراتها «لقد بدأت الغناء وعمري (17 سنة) ولأني نشأت يتيمة، رباني أخوالي، ولا يمكن أن أصف لك الزوبعة التي أقاموها حين علموا بالأمر، لقد كادوا يقتلونني لولا ستر الله، فالميدان الفني وقتها كان محرما على الرجال، فما بالك بالنساء! لكن رغم الاعتراضات صممت على دخول هذا العالم، وعملت باحترام، وبقيت محترمة الى يومنا هذا».
غادرت نا شريفة مسقط رأسها وقطعت مسافة 30 كم حافية القدمين، نحو «أقبو»، لتستقل القطار، نحو الجزائر العاصمة، أين بدأ مشوارها الفني القبائلي، وقد قامت سنة 1942، بإصدار أول أغنية لها «أبقاو على خير أقبو»، «وداعا أقبو».
من أقبو الجزائرية إلى العاصمة الجزائر، انطلقت مسيرة «نا شريفة» في الإذاعة الجزائرية، ليرتفع صدى صوتها عبر الأثير في برنامج نسوي، يسمى بـ»أورار الخالات»، الذي تجتمع فيه مجموعة من النسوة، لترديد أغاني من التراث الجزائري في الأناشيد والمديح وأغاني الأعراس، عبر استخدام الدف والطار والدربوكة والبندير في جو بهيج.
وسط فرقة «أورار الخالات»، والتي تعرف أيضا بـ«نوبة الخالات»، تألقت «نا شريفة»، التي كانت تؤلف أغانيها بمفردها، وتقوم بتلحينها رغم أنها لم تتعلم حرفا واحدا. فكل أغانيها هي من بنات أفكارها، ولكنها تمكّنت من أن تغني للوطن والغربة والفرح والألم، كما غنت نا شريفة للثورة الجزائرية.
عٌدت سيدة الغناء القبائلي»، من النساء الأوائل، اللواتي تمكن من اجتياح «التلفزيون الجزائري»، وظهرت في باقات متنوعة من أغاني الأفراح التي تلبي ذوق الأسرة الجزائرية التي تحافظ على إحياء الأفراح وتتمسك بالعادات والتقاليد، بما في ذلك تراث الأغاني.
وذكرت «نا شريفة»: «وأنا بطبعي أحب الفرح وأحب مشاركة الأسرة الجزائرية مسراتها، لذا أركز على إنتاج هذه النوعية بالذات».
تميزت الفنانة الجزائرية القبائلية، أيضا بأناشيدها الصوفية، حيث غنت «أيا زرزور»، و»أزواو»، التي أعاد غناءها المطرب إيدير وأغنية «سنيوا ديفنجالن»، واشتهرت بأغنية «الله الله أنزور الوالي»، التي مايزال يردد صداها إلى اليوم، والتي تندرج ضمن طابع «أشويق»، الطبوع القبائلي الزواوي والأمازيغي.
في 14 مارس 2014، غادرت سيدة الغناء القبائلي، «نا شريفة» الحياة، عن عمر ناهز 86 عام، مخلفة وراءها قرابة 800 أغنية من التراث القبائلي الجزائري، فضلا على أنها خلال فترة حياتها تمكنت من التربع على عرش الأغنية القبائلية لسنين طويلة.