طباعة هذه الصفحة

محافظة الآثار فايزة رياش لـ “الشعب”

الحفاظ على موروثنا الثّقافي الأثري ثقافة المجتمع

أجرى الحوار: نور الدين لعراجي

 

شاركت في ورشة الاتجار غير الشّرعي للممتلكات الثّقافية وحماية المتاحف من النّزاعات المسلّحة
أوّل طالبــة جزائريــة ناقشـت موضوعـا حديـث التّـناول

 فتحت قلبها لـ “الشعب” مانحة تجربتها المتواضعة في ميدان الآثار والتراث اللامادي وبرؤية جديدة، إنسانة متشبّعة بالفضول والاستكشاف، تحب مهنتها حد القلق لما يتعلق الأمر بإهمال بعض الآثار التي تعتبر بالنسبة لها كنوزا، لا تعوض بأي ثمن.إنّها المحافظة فايزة رياش، من مواليد المنطقة الاثرية بلدية إقجان بسطيف، باحثة في مجال ما قبل التاريخ، تخصص الباليو أنتروبولوجيا والباليو باتولوجيا، ومحافظ التراث الثقافي بمتحف باردو الوطني، تحب وطنها بالدرجة الأولى، تسعى من خلال عملها إيصال رسالة هامة وهي الحفاظ على موروثنا الثقافي الأثري.
❊ الشعب: عادة ما يقتصر عملكم على الاستكشافات والبحوث، ما هو السر في ذلك؟
❊❊ محافظة الآثار فايزة رياش: كطالبة آثار قمت بحفريات أثرية تحت إشراف أساتذتي من معهد الآثار، والتي تعلمت من خلالها طرق الكشف عن البقايا الأثرية التي شهدت على الوجود الإنساني منذ ملايين السنين في شمال إفريقيا. كما قمت بإحصاء كل المواقع التي تشتمل على الفن الصخري بحيث سأقوم بنشره، لكي يستفيد منه الطالب والسائح.
أما مجال بحثي فهو جديد في الجزائر وهو ما يسمى الباليو أنتروبولوجيا، وقد حصل لي الشرف أن كنت أول طالبة جزائرية تناقش موضوعا يخص هذين المجالين، حيث كان موضوع مذكرتي “دراسة باليوأنتروبولوجية وباليوباتولوجية لمجموعة جماجم إنسان مشتى أفالو و إنسان الفجر المتوسطي بالاستعانة بالأشعة السينية والماسح الضوئي”.
أما الآن فمجال بحثي اتّسع ليشمل كل الشعوب التي سكنت الجزائر من ما قبل التاريخ حتى الفترة البيزنطية، وهذا بهدف وضع قاعدة معلومات للشعوب التي سكنت شمال إفريقيا ومحاولة التعرف على خصائصها التشريحية، نمط معيشتها وبيئتها، وكذا أهم آثار الأمراض التي بقيت على العظم.
❊ الجزائر تحتوي على زخم كبير من الآثار والمعالم والشواهد، هل فعلا نحن أحطناها بالرعاية والاهتمام؟ وهل حافظنا عليها كما ينبغي؟
❊❊ الجزائر من أقدم الأماكن التي شهدت تواجد الحضارات الأولى لفترة ما قبل التاريخ كالحضارة الألدوانية  التي تعود لحوالي 2.3 مليون سنة، والتي عثر على شواهدها بموقعي عين بوشريط والخربة
وعين الحنش مرورا بالحضارة الأشولية التي أرخت وجودا إنسانيا يعود إلى حوالي 750 ألف سنة من خلال البقايا البشرية التي وجدت بموقع تيغنيف (معسكر)، والتي تعتبر لحد الآن أقدم المكتشفات البشرية في شمال إفريقيا، بالإضافة إلى كل الحضارات الأخرى التي لحقت بها، فالجزائر هي سلسة لتعاقب الحضارات وكلها تركت لنا زخم كبير من الشواهد المادية، والتي تمّ اكتشاف حوالي 20 بالمائة منها فقط، فنظرا للمساحة الشاسعة لجزائرنا الحبيبة يصعب الحفاظ عليها كما ينبغي، إلا أنه ومن خلال تجربتي فهناك حس كبير عند المواطن الجزائري خاصة بالأطلس الصحراوي والجنوب الكبير بأهمية هذا التراث، ولذلك بالرغم من كل الإمكانيات التي سخرتها الدولة للحفاظ على هذا الموروث إلا أن دور المواطن مهم جدا في الحفاظ عليه، وعليه يجب التكثيف من عمليات التوعية
والتحسيس من خلال ورشات عمل.
❊ كيف توفّقون بين عملكم في المتحف وبين الملتقيات والأيام التكوينية؟
❊❊ إنّ محافظ التراث بالمتحف عمله بالدرجة الأولى هو الحفاظ على المجموعات المتحفية، وأنا بصفتي رئيسة مصلحة ما قبل التاريخ فمهمتي أكبر وهي الحرص ومتابعة كل عمليات جرد مجموعات ما قبل التاريخ والتي انتهينا منها العام الماضي، ومراقبة  شروط حفظ المجموعات الأثرية الموجودة بالمخزن. هذا بالإضافة إلى الورشات البيداغوجية لما قبل التاريخ الخاصة بالطفل، والتي قمت ببرمجتها مند 2012 وهذا بعد تكوين تلقيته بمتاحف نيس بفرنسا على حسابي الخاص، ومنذ ذلك الحين أقوم بهذه
الورشات لتقريب الطفل لهذا المجال وتحسسيه بقيمة هذه الحقبة من تاريخنا الطويل، وطبعا فمحافظ التراث عمله ميداني أكثر فهو يحتاج إلى كسب مهارات ومعارف أخرى، وهذا بالمشاركة في الملتقيات والورشات، وقد سمحت لي الفرصة أن شاركت في الملتقى الوطني للآثار العام الماضي بمداخلة حول دور التكنولوجيات الحديثة في تطور البحث الأثري، كما شاركت في ورشة خاصة بالاتجار الغير الشرعي للممتلكات الثقافية بمكناس بالمغرب، وكذا ورشة حماية المتاحف من النزاعات المسلحة، وطبعا التوفيق بين هذا و ذاك هو كله بفضل الله عز وجل وكذا إيماني بهذا العمل الذي أقوم به.
❊ زرتم مؤخّرا بيروت رفقة مجموعة من المحافظين، هل يمكن معرفة ما هي أهم القرارات التي جاء بها اللقاء؟ وكيف كان موقف الجزائر من اللقاء؟
❊❊ ورشة بيروت المنظمة من طرف إيكوم العرب
واليونسكو كانت لمناقشة كيفية حماية المتاحف خلال النزاعات المسلحة، والله يحفظ بلادنا من كل مكروه يا رب، والكل يعلم أن الجزائر شهدت عشرية سوداء والتي من خلالها صعب على الباحثين الأثريين الخروج إلى الميدان، وهو من بين أسباب التأخر الدي يشهده هذا القطاع في بلادنا، وأما من أهم قرارات هذه الورشة هو التعاون العربي في الحد من الاتجار الغير الشرعي بالممتلكات الثقافية وكذا محاولة وضع قاعدة بيانات مشتركة بين البلدان العربية لكي يسهل على المختصين التعرف على القطع المسروقة التي تخص بلدهم.
❊ وزير الثقافة في أكثر من مرة يؤكّد على السياحة الثّقافية، كيف يمكننا التّرويج لها دون المساس من القيمة المالية لموروثنا اللاّمادي؟
❊❊ طبعا جميل جدا التأكيد على هذه النقطة بالذات لأن لنا موروث ثقافي هام جدا، وأظن تحقيقها ليس بالصعب إذا تضافرت الجهود، فيجب إقناع أولا المواطن الجزائري بزيارة مثلا الطاسيلي، تاغيت، كويكل (جميلة)، تاموقادي (تيمقاد)، هيبوريغوس (عنابة)، جبال عمور التي تحتوي على نقوش صخرية لن تجد لها مثيل في كل العالم. كلها أماكن ساحرة
ولكن نحن لا تنقصنا المواقع الطبيعية ولا الأثرية ولا الأماكن الحموية بل ينقصنا ثقافة الاستثمار في هذا النوع من السياحة، فهذه الأماكن تحتاج بالدرجة الأولى إلى توعية سكان المنطقة بالحفاظ على موروثهم الثقافي، وأنه قد يعود بالفائدة عليهم، وهذا دورنا نحن كمختصين في هذا المجال، كما يكمن دور وزارة السياحة في تهيئة أماكن فندقية تشرف على استقبال السائح استقبالا يليق بصورة الجزائر، فالسائح لا يحتاج إلى فندق 5 نجوم هو فقط يحتاج إلى دليل سياحي ومكان لائق وآمن ينام فيه. أما الاستثمار الذي هو على شكل حفلات تقام في المسارح الرومانية مثل جميلة، فهذا أنا أعتبره استغلالا عشوائيا للموقع أكثر منه استثمار،ا وأنا أتكلم بصفتي محافظ تراث وأعلم أن كلامي لا يعجب الكثيرين، فالأجدر أن يقام المهرجان خارج أسوار الموقع الأثري، مع العلم أن موقع كويكل 80 بالمئة من الموقع لم يتم حفرة لحد الآن .    
❊ كامرأة عالم الاستكشافات ربما كان مقتصرا على الرجل دون المرأة، فكيف وجدت فائزة نفسها في عمل رجالي أكثر منه نسائي؟
❊❊ أنا أولا ابنة مدينة أثرية وهو ما ولّد لدي حبي لهذا المجال والذي ليس له حدود، فلا أجد نفسي في عمل رجالي فأنا فقط أحب المغامرة والاكتشاف، ففي الكثير من المرات لما كنت أقوم بزيارة مواقع أثرية كنت أصادف استغرابا من أهالي المنطقة، كيف لامرأة تصعد الجبال وتمشي كيلومترات للوصول إلى بعض الأماكن التي يصعب للسيارة الوصول إليها ولكن كان يبدو لي الأمر عاديا جدا.
❊ هل تعتقدين أنّ القوّة النّاعمة حقّقت القفزة التي تنتظرها أم أنّها بعيدة عن المراد؟
❊❊ أنا صراحة لم أر يوما اختلافا بين عملي وعمل الرجل، ففي الكثير من الأحيان أرى نفسي أكثر قوة وصلابة وشجاعة من الرجال، وهذا ليس مجاملة ولكن من خلال مردودي في العمل وكذا اعتراف الكثير منهم، فأنا تربيت في أسرة مناضلة ولا يوجد  فرق بين الرجل والمرأة، ومجالي فيه الكثير من النساء التي حققت قفزة نوعية في هذا المجال.
❊ كيف تقيّمين تجربة متحف في الشارع في طبعتها الثالثة؟
❊❊ هذه التجربة كانت دليلا على القوة الناعمة، فقد كانت فكرتي في الخروج بالورشات البيداغوجية للشارع، والذي في البداية لاقت استغرابا فكيف لامرأة النزول إلى الشارع والجلوس في ساحة البريد المركزي والتعامل بكل بساطة وتواضع مع كل فئات المجتمع؟ ولقد لاقت التجربة الأولى صدى كبيرا وهو ما أدى بنا بتنظيم الطبعة الثانية والطبعة الثالثة وهذا بالتنسيق مع بلدية الجزائر الوسطى، وقد كانت هذه التجربة نتيجة عزوف المواطن عن زيارة المتاحف، ففكرنا في الخروج إلى الشارع للتعريف بموروثنا الثقافي وكذا النشاطات التي تقوم بها المتاحف، فكانت تجربة ناجحة بكل المقاييس بالرغم من أننا قمنا بها بأبسط الإمكانيات، وأحسن برهان على ذلك هي أنها أعادت الطفل إلى المتحف.  
❊ ما هي أمنيتكم؟
❊❊ الآن أنا أعمل على إقامة معرض حول آخر الاكتشافات في مجال ما قبل التاريخ بمتحف الباردو، هذا بالتنسيق مع باحثين فيما قبل التاريخ بمعهد الآثار. وأمنيتي أن يحقّق هذا المعرض نجاحا وإقبالا جماهيريا، كما أتمنى أن يتم الوثوق بطاقاتنا الشابة في الرقي بهذا القطاع.