طباعة هذه الصفحة

ليليـا با احمــد:

اللّبـــؤة التــي قهرت الرّجـال في مجــال تخصّصهم

بورتريه: فتيحة ــ ك

هي سيّدة من جيل الاستقلال، الذي وجد نفسه وجها لوجه مع تحدي إثبات العزيمة والإرادة القوية لشباب حمل على عاتقه أمانة الشّهداء والرسالة النوفمبرية التي أرست قواعدها على سواعد رجال ونساء آمنوا أنّ ارتقاء الجزائر مرتبط بهويتها وأبنائها. ليليا با احمد واحدة من هؤلاء الذين لم يرضخوا ولم يستسلموا بل هي امرأة استطاعت التميز وطنيا، مغاربيا وإفريقيا.

من الأوراس الأشم...كانت الانطلاقة

نشأت وترعرعت ليليا با احمد في ولاية باتنة أين شربت الوطنية حتى الثّمالة، ولأنّها فتاة تربّت وسط عائلة تدرك قيمة العلم، حرص والداها على تعليمها ابتداءً من المدرسة الابتدائية سكينة بنت الحسين ثم متوسطة قرين بلقاسم وصولا إلى ثانوية عائشة للبنات، ساعدتها والدتها التي كانت أستاذة لغة فرنسية على تكوين شخصيتها وإعطائها جرعة الحب التي ساهمت في تكوين ليليا المتفوّقة والطّموحة إلى مستقبل مشرق.
في 1985 تحصّلت الطّالبة ليليا با احمد على شهادة البكالوريا علوم، وهنا بدأ التّفكير الجدي في المستقبل ومشاريعه النّاجحة، ولأنّها كانت من المتفوّقين رغبت في دراسة الطب الذي كان حلم أي طالب آنذاك، ولكن تعلّق والدها بابنته البكر جعله يطلب منها اختيار تخصّص بجامعة باتنة حتى لا تذهب إلى ولاية أخرى بعيدة عنه، وبالفعل لم تتردّد في تحقيق رغبته لأنّها أدركت أنّه لا معنى لنجاحها بعيدا عن والدها وعائلتها التي كانت دائما أكبر دعم لها.
التحقت بجامعة باتنة ووقع اختيارها على تخصّص كان لسنوات طويلة حكرا على الرّجال فقط، بل كانت ضمن دفعة لا يتعدى عدد الفتيات فيها عشرة بعدما كانت واحدة فقط في السنة التي قبلها، ودفعة كلّها رجال في السنة التي قبلها، لذلك كانت ليليا ضمن الدفعة الثالثة لتخصص الوقاية والأمن الصناعي، الذي كان الوحيد على المستوى الوطني، المغاربي والافريقي، بعد تدرّجها في التّعليم العالي أجرت مسابقة الماجستير  وكانت في المرتبة الثانية في قائمة الناجحين، استطاعت مناقشة رسالتها في 1996،
وسجّلت طبعا في دكتوراه دولة لتستطيع بلوغ أحلامها وطموحاتها العلمية.
ولكن جو البحث العلمي في تلك الفترة وانعدام المصادر وقلّتها، جعلها تتأخّر في بحثها العلمي، بل قرّرت في 2002 الهجرة رفقة عائلتها إلى كندا أين وجدت أساتذة وجّهوها نحو البحث العلمي، والتقت الأستاذ الكندي من الأصول المغربية بجامعة «لافال» داود أيت قاضي والأستاذة صوفي دامور الكندية، اللّذين منحاها مخبرا لتشارك في برنامج لصناعة الكراسي المتحرّكة للمعاقين، ولكن الظّروف العائلية اضطرتها للعودة إلى أرض الوطن بعد أربعة أشهر فقط من ذهابها إلى كندا، بعد مغادرتها رفض الأستاذ داود أيت قاضي استرجاع مفاتيح المخبر لاقتناعه بعودتها إلى جامعة لافال، ولكن أراد الله لها غير ذلك.
رغم أن التجربة الكندية كانت مميّزة ومرحلة مهمّة من حياتها العلمية، إلاّ أنّ عودتها إلى الجزائر حفّزها لمناقشة رسالة الدكتوراه التي تحصّلت عليها في 2006 بعد صعوبات كبيرة واجهتها في التّأطير والبحث.

مسيرة...ترفض التوقف

هذه الخطوة أماطت اللّثام عن روح وطنية داخل ليليا جعلتها تسخّر كل مكتسباتها العلمية للطلبة المقبلين على الحياة في خطواتهم الأولى نحو بناء المستقبل، وهنا شعرت أنّ مسيرتها الحقيقية انطلقت، فخلقت في 2005 تخصّصا جديدا على مستوى جامعة باتنة، هو الوحيد على المستوى الوطني، المغاربي والافريقي هو الأمن الداخلي للمؤسسات بفضل الأستاذ بن حمادي السعيد، إطار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي الذي ساعدها في تحقيقه على أرض الواقع، خاصة وأنّه كان مكلّفا بالأمن الداخلي للوزارة، وانطلقت الفكرة واقع جعل العسكريون المتقاعدون هم دائما المكلفين بهذا الجانب. ومن هنا جاءت الفكرة في تحويل هذا العمل إلى تكوين جامعي للمدنيين. الذين سيعملون بعد تخرّجهم في هذا المجال، وبالفعل استطاعت الدفعة الأولى تحقيق نجاح كبير لأنّ كل الطّلبة تحصّلوا على منصب شغل في الولاية التي يرغبون في العمل فيها، وما زالت الأستاذة تحتفظ في ذاكرتها بصورة الطالب الذي كان يعيش ظروفا معيشية قاسية، والذي استطاع من خلال تعيينه في إيليزي وفي ظرف ثلاث سنوات فقط من تحسين وضعه المعيشي بشكل كبير، ولم يتوقّف حلم الأستاذة عند الليسانس في هذا التخصص بل أطلقت ماستر مهني في هذا المجال، وتطمح إلى إطلاق مسابقة دكتوراه.
ورغم خروج ليليا با احمد في 2016 التقاعد النسبي، إلاّ أنّها ما زالت مرتبطة بالجامعة أين اقترح عليها مديرها العمل كمستشارة خاصة في العلاقات الخارجي، إلى جانب ذلك هي مديرة لمكتبها الخاص في الاستشارات الذي فتحته في 2009، والذي يقوم بدراسة الأخطار على المحيط حتى تسهل عملية اقتناء الملفات الإدارية.
هذه المسيرة الحافلة المليئة بالنّجاحات لم تكن لتتحقّق لولا دعم الأهل لها خاصة الوالد والوالدة، وكذا الزوج والأبناء الذين كانوا لم يدّخروا أي جهد لتحفيز والدتهم من أجل السعي وراء طموحاتها لأنّها امرأة جزائرية شجاعة وعنيدة لا يستطيع أي شيء عرقلة مشوارها العلمي أو وقف سعيها وراء أحلامها الكبيرة.