طباعة هذه الصفحة

الباحثة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال بجامعة باتنة فاطمة همال تؤكّد لـ «الشعب»:

أعشق البحث العلمي وإنشاء مؤسّسة إعلامية متخصّصة حلم لا تنازل عنه

باتنة: لموشي حمزة

يعتبر النجاح غاية في الحياة، ليست صعبة المنال، وليست بالأمر السهل كذلك، ولكن الإرادة والطموح والعمل الجاد يتكفّل بذلك خطوة بخطوة، ولأنّ العمل يعطي المرأة دافعاً أكبر نحو الحرية والانطلاق والنهوض بعائلتها ومجتمعها، تبرز عدة تجارب ناجحة تستحق التنويه على غرار تجربة الأستاذة همال فاطمة من جامعة باتنة 01.
تتحدّث الأستاذة همال فاطمة لجريدة «الشعب» عن بداياتها في دراسة تخصص الإعلام والاتصال والنجاح فيه، بالحرص على التأكيد على أن مشوارها الدراسي في الطور الثانوي لم يكن يوحي إطلاقا بذلك لأنّها  درست تخصّص علوم الطبيعة والحياة بثانوية الشهيد علي النمر بباتنة، لتتحصّل بعدها على شهادة البكالوريا التي كانت ميلادا لمشوارها في تخصص الإعلام والاتصال، والذي تعرّفت عليه من خلال أختها الكبرى التي سبقتها للتخصص بسنة وكانت ضمن الدفعة الأولى في جامعة باتنة سنة 2004، حيث اطّلعت فاطمة على المقاييس التي تدرس في التخصص عامة طيلة مرحلة الليسانس، وجذبها تخصّص العلاقات العامة فقررت اختيار الإعلام والاتصال والتخصص في العلاقات العامة، وهو ما كان لها رغم كونها علمية الدراسة الثانوية والميولات الأدبية، فكان التخصص بالنسبة لها «حلما» تحقّق لكونه ملتقى لعدة علوم، رغم أن الإحاطة بواقعه بعد التخرج كان مبهما، ولكن قناعة ضيفة «الشعب» وإصرارها على التحدي قادها لمواصلة المشوار، تاركة قضية التوظيف على الله، وقرّرت دراسة تكنولوجيا الإعلام والاتصال عن حب وقناعة وشغف، فإن لم تحصل - حسبها - على الوظيفة تكون قد حقّقت طموحها ودرست على الأقل ما أرادته.

فقدان والدتي غيّر مجرى حياتي وجعل للشّجن والحزن مكانة في قلبي

وقالت الأستاذة فاطمة بهذا الخصوص: «العلم كائن حي كما تعطيه يعطيك»، ما جعلها تتفوّق في دفعتها لثلاث سنوات من أصل أربعة، والأولى على تخصص العلاقات العامة، وتكلّل مشوارها بعد التخرج بدرجة الليسانس؛ بالنجاح في مسابقة الماجيستير تخصص إعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة سنة 2009، ما نقلها نوعيا من تخصص العلاقات العامة إلى تكنولوجيا الاتصال الحديثة، لتتكون لديها خبرة جديدة فيه وفتحت لها أبوابا على معطيات القرن الواحد والعشرين في هذا المجال، حيث يجمع موضوع أطروحة الدكتوراه التي هي بصدد إنجازها بين تخصص العلاقات العامة وتخصص تكنولوجيا الاتصال الحديثة.
وخلالها أكملت الأستاذة «همال» مشوارا أكاديميا آخرا، وهو التتويج بشهادة الماستر في تخصص علم النفس العمل والتنظيم، بعد نجاحها في شهادة البكالوريا للمرة الثانية.
وتعتبر فاطمة اقتحام النساء لعالم التكنولوجيا ليس بالجديد لأنه حسب قوّتنا الناعمة ليس مفاجأة القرن، متسائلة على أي أساس تمّ استبعاد الأمر عنهن؟ لتجيب بأن التكنولوجيا مجال علمي يعتمد على الذكاء والإبداع والشغف، وهي صفات بشرية وليست حصرية ذكورية، وتستنتج أن كل امرأة جزائرية قرّرت الانتماء لتخصص الإعلام وتكنولوجيا الاتصال فهي في مكانها الطبيعي كما قرّرت واختارت، لأنّها مؤهّلة لذلك.
وفتح سؤالنا عن النقطة المفصلية في حياتها والتي غيّرتها وتركت فيها بصمة جعلتها تصر على النجاح، حديث ذا شجن وآلام ومواجع بفقدانها لجزء من ذاتها بل وأغلى من ذاتها أمّها رحمها الله، حيث أشارت إلى أن شخصيتها على غرار كل البشر غيّرتها ثلاثة أشياء التقت بها وهي الموت، المرض والغربة، مجربة اثنتين؛ الموت والمرض لأعز الناس، لكن بوجع أكبر اجتمع الاثنان في والدتها رحمها الله لسنوات، وموتها غيّر في فاطمة همال الكثير، وتجارب الموت والمرض لا تعني دوما مغادرة المكان ومرض الجسد، حسبها فقد يمرض الطموح وقد تموت مراحل ولكن بالتأكيد يولد أمل لمواصلة الكفاح، وهو ما حدث معها.
كما واجهت العديد من المصاعب خلال دراستها وعملها كأستاذة في الجامعة بقسم علوم الإعلام والاتصال وعلم المكتبات بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة باتنة 1، وأستاذة سابقا بقسم الإعلام والاتصال جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، على غرار قلة المراجع في التخصص، ومحاولة الكثيرين في المجتمع إحباطها بإكراهات الواقع على حد قولهم باعتبارها امرأة، ونقص التجهيزات الضرورية للإعلام والاتصال كنقص مراكز البحث، والتدريس الذي تصفه بأنه متعب بثقل الضمير.
وتستذكر قوّتنا الناعمة دعم والديها لها في مشوارها الدراسي والمهني، والذي حسبها كان كطائرة من ورق أطلقها والدها وأمسكت بها أمّها رحمها الله بزمام خيط القيادة والتوجيه.

«أبرع في التّخطيط وأحكم ضميري  في كل التزام»

وأجابت ضيفة «الشعب» عن سؤال حول تقييم تجربة المرأة الجزائرية في العمل والنجاح وإثبات الذات بالتأكيد على أنّ مسار المرأة الجزائرية وفقا لنظرتها الخاصة مقسم بين معطيات ذاتية وأخرى موضوعية، فالذاتية وهو رأي فاطمة عدم تلاؤم خصوصية المرأة كتكوين بيولوجي ونفسي ودور اجتماعي لبعض المهن والوظائف، التي تؤذيها أكثر ممّا ترسخ قيمتها ونجاحها، لطبيعة ظروف العمل بشكل أو بآخر، محتفظة لنفسها بتحديد تلك المجالات.
أما الموضوعية، فترى محدّثتنا أنّ التقييم صعب، لكثرة المعطيات المؤسسة لهذا التقييم، ولكن بجانب عملها سجّلت المرأة الجزائرية مسارا مشرفا، كافحت فيه من أجل طموحها ودراستها، وأثبتت أنّ «من يريد فهو يستطيع فعلا»، خاصة في ظل مسؤولياتها الأسرية، ورفعت التحدي في أكثر من مجال، وشرّفت المرأة على المستوى المحلي والوطني والدولي، من أدق الوظائف تخصّصا ودراسة إلى أبسطها تصوّرا وأكثرها جهدا في تعب التحدي، فمنصب وزيرة أو مديرة أو دكتورة أو طبيبة أو محامية أو موظفة ليس الوحيد المؤشر للتحدي وقيمته، بل حتى المكافحة في مزرعتها والمنتجة لغذائها وغذاء أسرتها والمشاريع الريفية النسوية الصغيرة وصاحبات الأيادي الحرفية، أثبتت أن التحدي ليس بالشهادة دوما بل بنبل الكفاح وهدفه تضيف «همال».
وعن توفيقها بين العمل والمنزل حياتها الخاصة، تقول ضيفتنا بأنه معروف عنها براعتها في التخطيط والإدارة والمواقف، من خلال تحكيم الضمير في كل الالتزامات في مقابل اليقين بأنه متى ما زاد ضغط الانشغالات سينتهي مهما طال...فاطمة لا تحب المناصب، بل تعشق البحث العلمي، وتقتصر طموحاتها وأحلامها على إنشاء مؤسسة للإنتاج الإعلامي تكون هادفة وشاملة ليس للإعلام السمعي البصري فقط بل المكتوب وخاصة مجال العلاقات العامة والإعلان، لتساهم تكنولوجيا الاتصال الحديثة في رفع سقف التنافسية لمؤسساتها المستقبلية التي تحلم بها.
وتختتم ضيفتنا الحديث مع جريدة «الشعب» بتهنئة كل الجزائريات بعيدهن العالمي، موجّهة لهن تحيّة تقدير، داعيا المرأة لتكون كما تريد وترضى وتستطيع.