طباعة هذه الصفحة

شــتَّــــان بـــين «تـــلــك» و»تـــــلــك»؟

فتيحة كلواز

تحتفل المرأة غدا بيومها العالمي المصادف للثامن مارس، وككل سنة ستنزل الجزائرية للاحتفال في أحلى ملابس تملكها، والتي غالبا ما تكون باللّون الأحمر أو الأسود، وستحرص على إعطاء شعرها لونا ذهبيا لتعكس البهجة والعصرنة التي وصلتهما وإن كانت بشرتها سمراء فاقعة، وترى لسان كل واحدة منهنّ يتراقص بكلمات فرنسية افتخارا بتحضّرها وانتمائها إلى النخبة، وإن كانت لا تعرف عنها إلا القليل، وستتفنـّن بعضهن أيضا بإبراز أسماء مستعارة كـ «سوسو»، وما كان على شاكلتها لإعطائها هالة من الدّلال والبرجوازية.
هذه هي الصّورة النّمطية التي يراد تسويقها للمرأة الجزائرية رغم أنّ الأغلبية السّاحقة من المجتمع ما زالت تعيش تحت ظل المجتمع سواء كان أبا، زوجا أو أخا أو حتى عرفا أو تقاليدا..كلّها في مجملها تعكس وتكرّس السّلطة الذّكورية التي يجب احترام قراراتها، وإن كانت خاطئة وتضرّ بالنصف الآخر من المجتمع.
أتساءل دائما لماذا تبقى المرأة الماكثة في البيت على الهامش في كل شيء، فحتى عيدها العالمي لا يعنيها لأنّ فئة معيّنة من «هنّ» فقط  تتلاءم مقاييسها «العالمية» بالاحتفال؟! كيف لمرأة أن تكون مرآة مجتمعها وهي لا تمثّل إلاّ شرذمة منه؟ كيف لها أن تمثّل تلك المرأة التي تخرج بعد آذان صلاة الفجر من بيتها متوجّهة إلى مكان عملها شتاءً وصيفا لكسب القليل من المال لا يضاهي المجهود الذي تبذله كعاملة نظافة؟ كيف لتلك السيدة التي نسمّيها مجازا «سوسو» أن تشعر بما تشعر به تلك العاملة، وهي التي تحرص على «المانيكور» و»البيد يكور»؟ كيف لها أن تحتفل وتتحدّث عن إنجازات المرأة الجزائرية في مجتمع ما زالت النّساء فيه تُطلّق لأنّها لا تلد إلاّ إناثا؟ كيف لها أن تتجرّأ على التحدث باسم المرأة الجزائرية وهي لا تعرف منهنّ إلا من تلتقيهنَّ في قاعات الحلاقة والحفلات والمهمّات الخارجية؟ كيف لها أن تمثّل المرأة الريفية التي تعيش في المناطق النائية وهي فعلت وتفعل المستحيل من أجل مسح أي علامة دالة فيها على القرية التي نشأت وترعرعت فيها؟
 كيف لتلك أو أخرى أن تتحدّث عن معاناة المرأة وهي لا تعرف أو تتناسى قيود «التّاء المربوطة» التي كبّلت بداية طريق أحلام الكثير من النّساء اللّواتي وجدنّ أنفسهنّ في مواجهة ذاتهنّ لأنّ تحرّرهنّ يعني تخلّصهنّ من «تاء التّأنيث» التي أصبحت في مجتمعي عبئًا ثقيلاً على كاهل كل «حوّاء» طموحة؟ فتحقيق الأحلام في وطني أصبح مرادفا لـ «ثورة» على الأعراف والتّقاليد، ولعل الصّورة التي رسمناها من قبل للمسمّاة مجازا «سوسو» خير دليل على ذلك، فهي المعنية الأولى بالتّكريم كل سنة في اليوم العالمي للمرأة، ولعل المتتبّع للاحتفالات يلاحظ ذلك.
 ورغم الخطوات العملاقة التي خطاها المشرّع الجزائري من أجل منح المرأة السّند القانوني لتحقيق تحرّرها وانطلاقها كقوّة فاعلة في مختلف المجالات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية دون تمييز، فكل امرأة معنية سواء كانت ماكثة بالبيت أو عاملة أو باحثة ولكن بقي الخلل قي العقلية السّائدة المجتمع الذي يخشى كلمة «تحرر» أو «مساواة» خوفا من «تغوّل» المرأة وطلاقها بالثلاث لكل ما له علاقة بالتقاليد التي تميّزنا عن غيرنا، متناسيا في ذات الوقت أنّ «هي» تستطيع تحقيق «المستحيل»، وتكسّر الصّورة النّمطية لـ «سوسو» وتضع مكانها امرأة جزائرية زاوجت بين المعاصرة والأصالة، والأمثلة على ذلك كثيرة بعيدا عن أي انتقاص لتلك المرأة التي تجلس وأبناؤها نياما لتغزل لهم قميصا أو قفازات صوفية تكون خيوطها أحلامها التي أنكرت ذاتها وأصبحت لا تعنيها لأنّها وبكل بساطة متعلّقة بمستقبل صغارها التي ذابت روحها فيهم.
هذه هي المرأة الجزائرية التي وقفت كتفا إلى كتف مع الرجل للحفاظ على هوية الأمّة منذ غرس أولى بذور وطن اسمه «الجزائر».