طباعة هذه الصفحة

الشّهيدة فاطمة لبصايرة

امرأة حملت الجزائر في قلبها فاستشهدت وهي تنادي بحريّتها

حملت في قلبها كرها شديدا للاستعمار الفرنسي، وحملت في قلبها آمالا وأحلاما عن استقلال الجزائر، فقد كانت الجزائر حبها الأول والأخير فكانت لا تتوانى في المساهمة في الثورة المظفّرة، هي من مواليد 1932 وقد عبّرت عن مساعدتها للثوار بأن تخيط لهم البذلات العسكرية وكذا الأعلام الوطنية، وكل ما يحتاجونه من ألبسة، في ديسمبر 1960 تلقّت معلومات عن خروج مسيرة يوم 11 ديسمبر تعبيرا عن سخط الجزائريين على الاستعمار الفرنسي، وتعبيرا عن مساندة كل فئات الشعب للثورة الجزائرية والتفافهم حولها، وطلب منها خياطة العديد من الأعلام الوطنية ليتم حملها في ذلك اليوم المشهود، وفعلا ظلت فاطمة تخيط هذه الأعلام لعدة ليال، وقد اختارت لنفسها أحسن الأعلام التي خاطتها.
في يوم 11 ديسمبر 1960 خرجت فاطمة لبصايرة من بيتها والتحفت بذلك العلم، وسارت في مسيرة قادها سكان مدينة بسكرة، رغم أنها كانت حاملا في شهرها التاسع، إلا أنها قررت الخروج والتعبير على رفضها للإستعمار الفرنسي بكل ما آتاها الله من قوة وعزيمة، وهتفت بشعارات حب الوطن مع الجميع وسارت قبل الجميع وفي مقدمة الموكب، ولم يتعبها حملها أبدا فقد كانت ترى الوطن أهم من حياتها.
لما وصلت المسيرة إلى حي الضلعة ببسكرة تصدّت قوات الاستعمار الغاشم لهذه المسيرة، وفرّقت المحتشدين واستعملت الرصاص الحي لقتل من يقود المسيرة، فأصبح الجميع يبحث عن مكان يختبئ فيه من رصاص العدو، لكن فاطمة لم تكن تملك القوة الكافية لتهرب وتنجو فقد كانت حاملا في شهرها التاسع، فتمكّنت قوات الاحتلال من أسرها واعتقالها وأركبوها سيارة عسكرية وانقضوا عليها بالضرب المبرح على بطنها، ومع ذلك فشهود العيان أكّدوا أنّها لم تصرخ من الألم، بل كانت تصيح بحرية الجزائر: «تحيا الجزائر» هي العبارة التي خرجت مع ضربات العدو الغاشم، واقتادوها إلى المعتقل، ولما وصلت كانت قد أنهكتها ضربات المعتدين فعرضت على الطبيب وأكد بضرورة أن تلد فاطمة حالا وبعملية قيصرية، وفعلا خضعت فاطمة لعملية قيصرية وأنجبت بحمد الله ابنها المدعو عبد الله، لكن مشيئة الله أقرّت أن تستشهد فاطمة بعد ساعة من العملية القيصرية، لما تعرضت له من ضرب مبرح دون مراعاة لأنوثتها ولا لحملها.
رحم الله فاطمة لبصايرة وأسكنها فسيح جنانه، فقد كانت مثالا للمرأة الجزائرية التي صنعت مجد الجزائر بما آتاها الله من قوة، رغم أنها لا تملك إلا مهنة الخياطة إلاّ أنّها استطاعت أن تستخدم هذه المهنة البسيطة في نصرة الثورة، وساهمت بمجهودات بالغة في أي عمل ثوري، واستشهدت في يوم مشهود هو يوم 11 ديسمبر 1960.