طباعة هذه الصفحة

''الشعب'' تستطلع وضعية المرضى بمستشفيات العاصمة

معاناة في صمت وحاجة لزيارات يومية

نضـــيرة نسيــــب

 جميل جدا أن نزور مرضانا الذين لم تسمح لهم حالتهم الصحية بقضاء أيام العيد في أجواء عائلية مليئة بالفرحة، من أجل إدخال الغبطة والسرور إلى قلوبهم، ولتخفيف ولو القليل من آلامهم، ولا يجب أن تنسينا زحمة الحياة أن في مستشفياتنا أشخاص يعانون في صمت ويحتاجون إلى التفاتة منا، وستكون بطبيعة الحال زياراتنا لهم أجمل إذا لم تقتصر على أيام العيد، بل يجب أن تمتد إلى كل أيام السنة.سجلنا من خلال زيارتنا المتكررة تواجد عدد هائل من المرضى الذين هم في حاجة لمن يزورهم يوم العيد ولادخال الفرحة والغبطة إلى قلوبهم وبالخصوص هؤلاء الذين تقطن عائلاتهم في الولايات الداخلية حيث يصعب عليها التنقل باستمرار، وسيكون شيء رائع مرافقة الأطفال الأصحاء لأهلهم وهم يحملون الهدايا للأطفال المرضى، غير أنه من المؤسف أن يشتاق المرضى في الأيام العادية لمن يلتفت إليهم وبالخصوص الأطفال الذين يقطنون بعيدا عن أهلهم ويعانون من أمراض مزمنة ومستعصية.
  لهذا السبب بالذات تنقلت '' الشعب'' إلى أحد المرافق الصحية  من أجل استطلاع وضعية هؤلاء المرضى بالمصلحة الاستشفائية الخاصة بالأمراض الداخلية، أين التقينا السيدة ''شريفة'' القادمة من ولاية بسكرة والتي كانت تعاني من مرض مزمن والمتمثل في التهاب الأوردة على مستوى الصدر وقد حدثتنا بكل أسف عن حزنها الشديد لأن حالتها الصحية لم تسمح لها بالتنقل إلى بيتها  لقضاء العيد وسط  أفراد عائلتها وعند تذكرها إياهم أجهشت بالبكاء قائلة لنا'' : أنا هنا منذ ما يفوق الأربعة أشهر وأنا مشتاقة جدا لأحفادي، كما أنني أشعر أنني لن أعود إلى بيتي حية أرزق هذه المرة''، وفعلا عند كتابتنا لهذه الأسطر تلقينا بكل أسف خبر وفاة  السيدة ''شريفة'' التي فارقت الحياة نظرا لتعقد وضعيتها الصحية بعد تعرضها لنزيف حاد عندما كنا نكمل زيارتنا لعين المكان.
    انتقلنا بعدها إلى الطابق العلوي لنتفقد بعض المرضى الذين أجريت لهم عملية جراحية وهنا وجدنا الطفل رياض  البالغ من العمر أربع سنوات والذي يقطن  ببجاية حيث خضع لعملية زرع للأمعاء لتعويض جزء من بلعومه الذي تعرض لحادث اثر تناوله لمادة كاشطة عن طريق الخطأ منذ عامين، وعندما تحدثنا مع أمه أخبرتنا بأنها سعيدة جدا لأن العملية  تمت بنجاح ودامت أكثر من الـ ١٢ ساعة وهي عملية جد صعبة، كما أوضحته لنا الطبيبة المعالجة التي شرحت لنا بأنه لم يكن بالإمكان برمجة هذه العملية في السابق وأن الطفل المصاب لم يكن يسمح بدخوله إلى غرفة العمليات، والآن والحمد لله سيكون بإمكان رياض أن يتناول الأكل بطريقة عادية، علما أن الطفل كان يأخذ وجباته اليومية عن طريق فتحة على مستوى البطن حيث كانت أمه تقوم بطحن كل الأغذية  ثم تعطيه إياها عن طريق ملء حقنة يتم إفراغها في نفس الفتحة المخصصة لذلك، ليتم تناوله للأكل بهذه الطريقة منذ الحادث الذي أصابه ويبقى رياض تحت الرقابة المشددة لأنه لم يسمح له بعد بمغادرة المستشفى إلا بعد التأكد من النجاح التام للعملية وهو بذلك سيقضي أيام العيد بالمستشفى لكن تقول الأم:'' أشعر بالسعادة رغم بعدنا عن الأهل ، المهم أن يستعيد ابني عافيته و سيكون ذلك بالنسبة لنا أجمل يوم عندما يسمح له الطبيب مستقبلا بتناول حلوة العيد.''
    تركنا المستشفى والمرضى وراءنا بعد أن تمنينا لهم عيدا سعيدا، ونحن في طريق العودة إلى مقر الجريدة انتابنا شعور بالحزن  والضعف عندما ارتسمت في مخيلتنا صورة خالتي ''شريفة '' التي لم يسعفنا الحظ لالتقاطها عبر الكاميرا  لكنها رغم ذلك لن تفارق أذهاننا، فألف رحمة عليها إنشاء الله.
   ولكن بالمقابل تذكرنا حينها الطفل رياض الذي قال لنا بكل بشاشة وعفوية:''  لا تنسوا أن تحملوا معكم  اللعب و الحلوى لأنه سيكون باستطاعتي أن آكل وألعب مثل باقي الأطفال.'' فيا لها من مفارقة غريبة وعجيبة جعلتنا نلتقي بالموت و الحياة  في يوم واحد لنقف وجلين أمام القدر الذي بإمكانه  أن يخطف منا في لمح البصر أعز الناس لدينا و لن ينتظرنا حتى نقرر القيام بزيارة مرضانا المتواجدين في العديد من المستشفيات وعبر كل أرجاء الوطن.