طباعة هذه الصفحة

الخيـــمــــة.. الآن

بقلم: علي شكشك
الخيـــمــــة.. الآن
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

لم يَعُدْ شرُّ البلية ما يُضحك، ولكنْ ما يُبكت، فكلُّ هذه الأطنانِ مِن الأحاديث غيرِ الشريفة عن حقوق الإنسان، والحقِّ في التظاهر، ووحشية القمع، التي لم نَرَ عليها إجماعاً مشابهاً حتى الآن، في سياقٍ مفتعلٍ يفضحُ التاريخَ والفكر الغربيَّ برُمَّتِه، وكأنَّها فرصةٌ للاقتناص قد لا تتكرر، ولِذا فهي اللحظة الآن، أو إنّه قد فات الأوان.

في الوقت الذي يُكرّسُ فيه العالمُ الغربي دولةَ يهودستان دولةً لِلخزرِ وحدَهم من دون العالمين وبدون أيِّ جوييم، متنكرين لكلِّ شعارات العلمنة والديمقراطية والحداثة والمساواة واستحقاقات القرن الحادي والعشرين، وكلِّ السيمفونية التي يواجهون بها الأنظمةَ الظلامية والتنظيماتِ الإرهابية، وقد خانتْهم رعونتُهم وعجلتُهم وفضحتْهم غريزتُهم.
فقد جاءهم الفرجُ من داخل البيت ليوفرَ عليهم مشقةَ حربٍ قد لا تكونُ مضمونةً، وقد تكونُ نتائجُها معكوسةً، فينتبه مَن كان غافلاً، ويصحو مَن كان نائماً، فلم ينتبهوا أنَّهم ينامون عن حقوق الإنسان، الذي منذ ستين ألف عام، ينامُ على حلمِ حقِّه كإنسان، أنْ يعودَ إلى بيتِه وحقله وعمله، وأنْ يستأنفَ سياقَ وطنِه وزرعه، وأنْ يطويَ خيمتَه ويسكنَ قريتَه، ويحلمَ بحبٍ عاديٍّ ونهايةٍ مأمولةٍ لنظرةٍ فابتسامةٍ فسلام، دون أنْ يعيقَ هذه النهايةَ أسلاكٌ شائكةٌ وحرسُ حدود، وسجنٌ وتنهيدٌ وحرمان.
 لم ينتبهوا، وهم ورثةُ التاريخ العتيد في امتهان القيم، ونهبِ الشعوب، والتضحيةِ بكلِّ معاني الحقِّ وكرامةِ الإنسان وتمجيدِ الاستعمار، مشبَعين بروح التميز والغرور والإقصاء، مُجِيدِين كلَّ ادوارِ التحايل والنفاق، باتجاه بوصلتِهم الوحيدة، مصلحتِهم الأكيدة، ومزيدٍ مِن السيادة والثراء، ومصِّ دمِ الفريسة، وهم المسكونون بالغرائز الأولى التي صَنعَتْ نفسَ الجرائم الأولى مِن حسدٍ وغرور، وشهوة التملك والسيطرة والعلوِّ والإفساد، وإلا فكيف يكونُ مسكوتاً عنه طردُ شعبٍ كاملٍ من هويّتِه، والإصرارُ على عدم عودته إلى وطنه، ومطالبتُه بالاعتراف والإقرار، بأنه لم يكنْ يوماً صاحبَ حقٍ ولا دار.
 ولم يكن له يوماً فيه مكان، وأنَّه لليهود سكنٌ واطمئنان، رغم أنَّ الكتبَ المقدسةَ سَمَّتْه أرضَ كنعان، وكيف تقومُ منظومةُ القيم البشرية المتنفِّذة بحجبِ قرارات الإدانة لكلِّ جرائم الاحتلال بالفيتو الذي هو نفسُه يُترجِمُ جوهرَ منظومة القيمِ ذاتِها، بينما تلهثُ أرواحُ المعنيين بالأمر الآن، إلى التكاتف لإدانةِ عشرِ معشارِ ما يَجري في فلسطين منذ عقودٍ، على مدار الليل والنهار، والأدهى من ذلك والأنكى ما يقوله رئيس قبيلة الخزر، تعليقاً وتشجيعاً لانتصار حقوق الشعب المحتال، وهو مِن مؤسِّسي علمِ استئصالِ الإنسان، ولم ننسَ رغم ذاكرتِنا القصيرة مشهدَ تبريرِه لإبادةِ أبناءِ كنعان في دافوس “.
يجب أن يُعطَى الجيلُ الشابُّ في الشعبِ الحُرّيَّةَ للتعبيرِ عن رأيه، إنّه لشيءٌ مثيرٌ وجديرٌ بالاحترام أنْ ترى شعباً يَخرُجُ إلى الشوارع ويُخاطرُ بنفسِه من أجلِ الحرِّيَّة”، بينما نتنياهو حاخام النقاء للدولة الخزرية، صاحب النظرية العبقرية في حل المسألة الفلسطينية، طرداً … أو إبادةً، بكل ديمقراطية، ولنا الخيار بكامل الحرية، ومَن تَبقَّى في أرض الصهاينة التاريخية سنسمح له بالبقاء على أرضنا كرماً وسخاءً منا، إلى حِينْ.
وإذا كانت هذه هي الحكاية، الظلم والقهر والنفاق، فإنَّ المحكَّ والاختبار لضمير البشريَّة والمنظومة الدوليّة هو هذه القضية، فلا صدقَ ولا تصديق ولا معنى قبلَ أنْ تُطوى الخيمةُ ويعودَ الفلسطينيون إلى أرضِهم كلِّ أرضهم، وبيوتِهم نفسِ بيوتِهم، ويحوزوا حقوقَهم كلَّ حقوقِهم، وَلْيتلطّف العالَمُ ووسائلُ الإعلام بتوجيه الأنظارِ إلى الخيمةَ الآن، ليس لِمساومتِنا على أيٍّ كان، ولكنْ لأنَّ هذا هو الحقّ، حينئذٍ – وهذا قد يكون – قد نُصدِّقُ ما يُقال مِن المقال، وبانتظار تِلكم الأيّام سنظلُّ نُواجِه الرصاصَ والإبعاد والظلمَ والقهر والجبروت والسّجّانَ والجدران، وَلْيَسْمَعْ العالَمُ هلْ سيقولون عنّا ما يَقولونه الآنْ.