في زنازين ضيقة لا تليق بالبشر وبين جدران متآكلة من الظلم، تعيش الأسيرات الفلسطينيات معاناة مركّبة لا تقتصر على فقدان الحرية، بل تمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية التي تحوّلت إلى وسائل قهر. إنّ ما تتعرّض له الأسيرات في سجن الدامون من ظروف قاسية ومعاملة لا إنسانية يكشف عن وجه آخر من وجوه الاحتلال، ذاك الذي يُمعن في إذلال النساء، ويستهدف إنسانيتهن قبل أجسادهن. وأستعرض أعلام الأسرى حجم الجرائم والتعذيب الذي ترتكبه سلطات السجون الصهيونية بحق الأسيرات في معتقلاتها.
1 - سجــــن الدامـــون: اســـم علـــى جـــدار الوجـع
يقع سجن الدامون في شمال فلسطين المحتلة، ويُعدّ من أكثر السجون قسوة من حيث ظروف الاعتقال، وخاصة للأسيرات.
تم نقل معظم الأسيرات إليه بعد تاريخ 7 أكتوبر 2023 في سياق حملة اعتقالات موسعة طالت المئات من النساء الفلسطينيات، بعضهن اعتُقلن من منازلهن وأخريات من أماكن النزوح. تفتقر الزنازين في الدامون لأبسط مقومات الحياة الآدمية؛ فهي قذرة، رطبة، تنبعث منها روائح كريهة، وتفتقر لأماكن مخصصة للصلاة أو الخصوصية. في كثير من الأحيان يتم احتجاز الأسيرات داخل غرف ضيقة دون تهوية كافية ودون فرش كافية، ما يجبر بعضهن على التناوب على النوم فوق بطانية واحدة.
2 - الغـــذاء أداة تعذيــب لا مصــدر تغذيـــة
الغذاء الذي يُقدّم للأسيرات لا يصلح للاستهلاك الآدمي، سواء من حيث الكمية أو النوعية، فهو ملوث ويؤدي إلى مشكلات صحية كالإمساك والآلام المعوية، ما دفع العديد من الأسيرات إلى فقدان وزن كبير خلال فترات اعتقالهن القصيرة نسبيًا. وتقتصر “الوجبة” المقدمة أحيانًا على طبق صغير من البقوليات يتم تقاسمه بين أكثر من سبع أسيرات، في مشهد يُجسّد الإهمال المتعمد والإذلال المقصود.
3 - الرّعايــــة الصحيــة..تــــرف مفقــــود
الأسيرات المريضات لا يحظين بالرعاية الصحية الكافية حتى في الحالات المزمنة والخطيرة. بعضهن دخل السجن وهن يعانين من أمراض تحتاج لمتابعة دقيقة كأمراض الدم والسرطان، ورغم ذلك لا يتم تقديم العلاج المناسب بشكل منتظم إلا بعد مماطلة، وغالبًا لا يتم نقل المريضات للمستشفى إلا في حالات حرجة وبعد ضغط كبير.
4 - التّحقيـــق والنّقـــل: رحلـــة تعذيــب متنقّلـــة
رحلة الاعتقال تبدأ من لحظة اقتحام المنزل لكنها لا تنتهي عند دخول الزنزانة. في الطريق إلى السجن تمر الأسيرات بسلسلة من النقاط والمراكز، يتعرضن خلالها لساعات طويلة من التقييد والإهانة اللفظية والجسدية. بعض الأسيرات أفدن أنهن تعرضن للشتائم والصراخ والمماطلة المتعمدة في التنقل، مما حوّل مسار السجن إلى رحلة نفسية مؤلمة لا تقل قسوة عن السجن نفسه.
5 - وراء كل جدار صامت هناك أنين لم يُسمع بعد وأعين تترقّب فجراً يحمل شيئًا من العدالة
معاناة الأسيرات في سجون الاحتلال مسؤولية إنسانية وأخلاقية، ونصرتهن تبدأ بفضح ما يتعرضن له، وتسليط الضوء على مأساتهن، ولا تنتهي إلا بخلاصهن الكامل. لذا لابد من التحرك الجاد والفوري إعلاميًا، حقوقيًا، وشعبيًا. فكل صمتٍ عن هذه الانتهاكات هو مشاركة في الجريمة، وكل صوتٍ يعلو لنصرتهن هو لبنة في جدار العدالة الذي سينهار عليه هذا الاحتلال عاجلاً أو آجلاً.