طباعة هذه الصفحة

ينفّذ أبشـع حملة قمـع جماعــي

الاحتــلال يحوّل السّجون إلى ساحــات تعذيب واغتيال

تقرير: إعلام الأسرى
الاحتــلال يحوّل السّجون إلى ساحــات تعذيب واغتيال
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

بينما انشغل العالم بتطوّرات الحرب على غزّة، أطلق الاحتلال يد أجهزته الأمنية والعسكرية لتنفذ أبشع حملة قمع جماعي داخل السجون، فحوّلها إلى جحيم لا يُطاق، يقطنه الآلاف من الأسرى الذين يواجهون ظروفًا غير إنسانية، وانتهاكات تصل إلى حد الإبادة البطيئة.

 منذ السابع من أكتوبر، لم تعد الزنازين مجرد أماكن احتجاز، بل باتت ساحات تعذيب مفتوحة بإشراف مباشر من حكومة الاحتلال، التي يقودها المتطرف إيتمار بن غفير، الذي تعهد بـ«سحق الأسرى”، وبدأ بتنفيذ ذلك على أرض الواقع حرفيًا.

سياسة ممنهجــة لإذلال الأســرى

أعلنت سلطات الاحتلال حالة الطوارئ في السجون منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، فعزلت الأسرى عن العالم الخارجي، وأغلقت “الكنتينا”، وقطعت زيارات الأهالي والمحامين، لتبدأ مرحلة غير مسبوقة من القمع والتنكيل. أُعيدت سياسة الضرب والتعذيب الجماعي، وسُجّلت عشرات الإصابات في صفوف الأسرى جراء اعتداءات وحشية من وحدات القمع. جرى تجريدهم من معظم مستلزمات الحياة، وزُجّ بهم في غرف ضيقة، لا تتسع لأعدادهم المتزايدة، دون تهوية أو رعاية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أبشع محطات القهر في تاريخ الاحتلال.
ومع دخول الشتاء، ازداد الوضع سوءًا. حُرم الأسرى من وسائل التدفئة، والملابس الشتوية، وحتى من مياه الشرب الساخنة. وتعرّضوا للتجويع الممنهج، إذ تمّ تقليص الطعام إلى أقل من نصف حاجتهم اليومية، وسُحبت أدوات الطهي من الزنازين، لتبلغ المجاعة مستويات خطيرة أدت إلى فقدان مئات الأسرى نصف أوزانهم، وتحوّل بعضهم إلى “هياكل عظمية” وفق شهادات محررين، كما تسبّبت هذه السياسة في أمراض مزمنة لأعداد كبيرة من الأسرى، خاصة من الأطفال والمرضى، وتدهورت صحتهم إلى حد الحاجة للعلاج الفوري في المستشفيات فور الإفراج عنهم.


69 شهيـدًا فـي السّجـون

حتى اليوم، ارتقى 69 أسيرًا في سجون الاحتلال، منهم 40 أسيرًا من قطاع غزة، قضى معظمهم تحت التعذيب في معتقل “سديه تيمان”، المعروف بـ “معسكر الموت”. من أبرزهم الدكتور عدنان البرش، رئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء، والذي استُشهد تحت التعذيب الوحشي، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثمانه، إلى جانب جثامين 61 أسيرًا آخرين.

معتقلات جديدة..وموت تحت التّعذيب

مع تصاعد أعداد المعتقلين، افتتح الاحتلال عدة معتقلات جديدة، خاضعة للجيش، لا تُطبق فيها أي رقابة قانونية أو حقوقية:

سديه تيمان (معسكر الموت):

معتقل عسكري في النقب، يتبع للجيش وليس لإدارة السجون. يمارس فيه الشاباك أساليب تعذيب جسدي ونفسي مروعة، شملت الاعتداءات الجنسية، والتجويع، والتنكيل حتى الموت. اعترف الاحتلال رسميًا باستشهاد 36 أسيرًا داخله، لكن العدد الحقيقي أكبر بكثير.

سجـن عوفـر – القسم العسكـــري:

نُقل إليه المئات من أسرى غزة، وتعرضوا لأشد أنواع التعذيب بما في ذلك الصعق بالكهرباء، والضرب على الأطراف، والهجوم بالكلاب البوليسية، والتجويع، والتهديد بالاعتداء الجنسي.

معتقــل “منشــه”:

مركز تحقيق واحتجاز أقيم شمال الضفة، يتبع أيضًا للجيش، يفتقر لأدنى مقومات الحياة، ويُحتجز فيه الأسرى على فرشات مهترئة دون رعاية طبية، وسط حرمان تام من الزيارات واحتياجاتهم الأساسية.

معسكر “نفتالـــي”:

أحدث معتقل عسكري افتتحه الاحتلال، شهد نقل المئات من الأسرى في ظروف مهينة، ويجري فيه استخدام وسائل تعذيب ممنهجة، لا تختلف عن معسكرات التعذيب في الحروب التاريخية. تعيش الحركة الأسيرة اليوم مرحلة من أكثر المراحل دموية وقسوة في تاريخها، مع ارتفاع أعداد الشهداء داخل السجون، وتوسيع شبكة الاعتقالات والمعتقلات السرية، حيث لا يخضع الاحتلال لأي رقابة دولية حقيقية. ما يجري داخل السجون ليس مجرد انتهاكات، بل جريمة حرب موصوفة تُمارس بغطاء سياسي وقضائي، ما يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لوقف آلة القمع الصهيونية، وإنقاذ من تبقّى من الأسرى أحياء في “معسكرات الموت”.

القمع الممنهج والإهمـال الطبـي يفاقـم معانـاة الأسرى في سجـن عوفـر

ويعيش الأسرى في سجن عوفر أوضاعا إنسانية مأساوية في ظل تصاعد ممارسات القمع والإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة السجن، ما أدّى إلى ازدياد ملحوظ في أعداد الأسرى المرضى. وأكّد محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين الذي زار السجن مؤخرا أن الظروف الحياتية داخل الأقسام تزداد سوءا، حيث يشتكي الأسرى من رداءة الطعام وسوء كميته، إذ يقدم دون سكر أو ملح وبكميات لا تكفي، بالتوازي مع عمليات اقتحام متكررة تنفذها وحدات القمع، كان آخرها قيام وحدة “المتسادا” بمصادرة فرشات الأسرى وفرض مزيد من العقوبات عليهم.
وأضاف المحامي أن الأسرى يحرمون في كثير من الأحيان من “الفورة” التي لا تتجاوز نصف ساعة في ساعات الصباح الباكر، كما يعانون من نقص حاد في الملابس الشتوية والصيفية على حد سواء، في ظل تجاهل إدارة السجن لمطالبهم الأساسية.
والتقى المحامي بعدد من الأسرى المرضى الذين يعانون من تدهور في أوضاعهم الصحية دون تلقيهم أي رعاية طبية تذكر، من بينهم الأسير قتيبة سمور من طولكرم، المعتقل إداريا، والذي يعاني من حكة شديدة في جسده منذ قرابة شهر دون أن تجرى له أي فحوصات رغم طلباته المتكررة. كذلك الأسير عبد الله مناصرة (18 عاماً) من جنين يعاني من آلام شديدة في الأسنان وحساسية جلدية وهو بحاجة إلى علاج عاجل، والأسير شرف الدين أبو دية من حلحول الذي يعاني من مشاكل في النظر منذ ما قبل اعتقاله دون أي استجابة من إدارة السجن لمطلبه في إجراء فحوصات.
أما الأسير محمد عيسى من بيت لحم فيعاني من مشاكل صحية متعددة، منها التهابات في الأذن وفطريات في القدمين واضطرابات في المعدة، وهي أمراض ظهرت عليه بعد الاعتقال، إلا أن إدارة السجن تواصل سياسة الإهمال الطبي بحقه وتماطل في توفير الأدوية اللازمة له. وتثير هذه الانتهاكات قلقا بالغا لدى الجهات الحقوقية التي تعتبر ما يجري في سجن عوفر خرقا فاضحا للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف التي تضمن للأسير الحق في الرعاية الطبية والعيش بكرامة.
ويؤكّد مختصّون في حقوق الإنسان أن استمرار مثل هذه السياسات قد يرقى إلى مستوى المعاملة القاسية واللاإنسانية ما يستوجب تدخلا دوليا عاجلا لوقفها ومحاسبة المسؤولين عنها. أمام هذا الواقع المأساوي تتصاعد الدعوات الحقوقية والإنسانية إلى ضرورة التحرك العاجل للضغط على سلطات الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات بحق الأسرى في سجن عوفر، وضمان توفير الرعاية الصحية والحقوق الأساسية لهم وفقًا لما تكفله القوانين الدولية. كما تناشد المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان الجهات الدولية والمنظمات الطبية والإنسانية، التدخل الفوري لمتابعة أوضاع الأسرى والاطلاع على ظروف اعتقالهم القاسية. في السّياق، تتجدّد الحاجة إلى تعزيز حملات التضامن الشعبي والإعلامي مع الأسرى المرضى، ورفع صوتهم عاليا في وجه الظلم والإهمال حتى ينالوا حريتهم وحقوقهم الإنسانية كاملة.