طباعة هذه الصفحة

نور جابــر..

صدى الرصـاص في قلــب الخليـل

بقلم: ثورة ياسر عرفات
صدى الرصـاص في قلــب الخليـل
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

في جبل جوهر بمدينة الخليل، وُلد نور محمد شكري جابر عام 1973، في بيت يعرف تمامًا معنى أن تكون فلسطينيًا تحت احتلال لا يرحم. لم يكن نور طفلًا عاديًا، كان يحمل منذ صغره في ملامحه شيئًا من الحزن القديم، وشوقًا مبكرًا للحرية. تربى في كنف عائلة فلسطينية مناضلة، فتشرّب الرفض، والنار، والحق.

كبر نور في زمن الانتفاضات، واشتدّ عوده وسط الحواجز والعتمة. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التحق بصفوف سرايا القدس، مؤمنًا أن مقاومة الاحتلال ليست خيارًا بل واجبًا. في كتاب مجد صنع في الخليل، يُبرز الكاتب دوره كـ “مهندس عسكري محنّك” وقائد ميداني في عملية “زقاق الموت” (عملية وادي النصارى) التي جرت في 15 نوفمبر 2002، والتي اعتُبرت من أخطر العمليات في الانتفاضة الثانية، وواحدة من أشد الضربات التي تلقاها جيش الاحتلال.
«ثلاثة من استشهاديي سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الشهداء أكرم عبد المحسن الهنيني وولاء هاشم داود سرور وذياب عبد المعطي المحتسب. هؤلاء الشهداء نفذوا كمينًا محكمًا في عملية نوعية في تاريخ 15/11/2002م، أطلقت عليها قوات الاحتلال اسم عملية ‘زقاق الموت’ والتي أسفرت عن مقتل 14 ضابطًا وجندياً صهيونياً وإصابة 18 آخرين”.
 شارك نور في التحضير والتنفيذ، وكان مثالًا حيًا على الروح الاستشهادية والانضباط العالي الذي ميّز رفاقه الشهداء، كما وثّق الكتاب كيف مثّل مع أكرم الهنيني وولاء سرور وذياب المحتسب نموذجًا للفكر المقاوم المتجذر لدى أبناء الجهاد الإسلامي. لم يهن، ولم يختبئ. وفي 6 ماي 2003، حاصره جنود الاحتلال، فقاتلهم حتى نفدت ذخيرته، قبل أن يُعتقل بعد اشتباك مسلّح ويُقتاد إلى زنازين “المسكوبية”. هناك، بدأت رحلة الألم الحقيقي. ثلاثة أشهر من التعذيب المتواصل، بلا محامٍ، بلا نوم، بلا إنسانية.
ثم جاءت الأحكام..17 مؤبدًا دفعة واحدة، أراد بها الاحتلال أن يدفنه خلف الجدران، لكنه كان يبتسم. نعم، كان يبتسم في المحكمة، لأن روحه كانت حرّة. استند الكاتب في توثيقه إلى مقابلات رسمية أجريت مع نور داخل السجن، رصدت مراحل التخطيط والتنفيذ، مما منح السرد مصداقية عالية وأعاد تشكيل رواية فلسطينية محكمة عن تلك المعركة.
في الزنازين، صارع نور كل شيء: الإهمال الطبي، العزل، فقدان الأحبة. توفيت والدته عام 2016، ثم لحق بها والده عام 2017، ولم يُسمح له حتى بوداع قبريهما. أُصيبت قدمه إصابة بالغة، وظل يعاني منها سنوات، لكنه رفض البتر، ورفض أن ينهزم.
تناول الكتاب أيضًا التغطية الإعلامية الشاملة للعملية من الإعلام العبري والعربي والدولي، مركزًا على دور نور جابر في قلب الرواية الفلسطينية، وذكاء حضوره في مواجهة التضليل الإعلامي الصهيوني. 22 عامًا من القهر والمقاومة، ثم جاء فجر 25 جانفي 2025، يحمل معه اسمه ضمن صفقة “طوفان الأحرار”.
ناداه الحنين إلى الخليل، لكنه وجد نفسه مبعدًا إلى خارج الوطن. ومع ذلك، كان حرًا، وكان منتصرًا. خرج مرفوع الرأس، كما دخل يومًا مرفوع السلاح. نور جابر ليس مجرد اسم. إنه شهادة حيّة على أن السجون لا تهزم الرجال، وأن الظلم لا يدوم، وأن من يسير نحو القدس لا يُضلّ الطريق. خرج من الزنزانة إلى الشمس، حاملاً في صدره الوجع والحكاية..
حكاية عمرٍ من السواد، صنع منه شعلةً لا تنطفئ. في كل خطوة يمشيها بعيدًا عن وطنه، يُقسم أن يعود. فالخليل هناك تنتظر، والرصاص لا يُنسى طريقه. ونور..لا يزال يضيء.