طباعة هذه الصفحة

مروان البرغوثي..

القائد الذي حوّل السجون إلى جامعات

‏‏بقلم: ثورة ياسر عرفات
القائد الذي حوّل السجون إلى جامعات
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

‏في كل أمة هناك قادة لا يشقّون الطريق بالنار والحديد فقط، بل يفتحون أبواب العقل والوعي، ويزرعون بذور الثقافة والمعرفة وسط أصعب الظروف. مروان البرغوثي هو واحد من هؤلاء القادة، الأسير الذي حول السجن الصهيوني من مكان للانكسار إلى جامعة حقيقية للتعليم والنضال الفكري، مؤكدًا أن القوة الحقيقية للأمة تكمن في وعي شعبها وثقافته.

منذ اعتقاله، وضع البرغوثي التعليم في صلب برنامج النضال الفلسطيني داخل السجون، مؤمنًا بأن الاحتلال يسعى لتجريد الأسرى من هويتهم ووعيهم، ولذلك كان التعليم بالنسبة له جبهة نضالية حقيقية لا تقل أهمية عن المقاومة المسلحة.
‏ومقولته الشهيرة تلخص فلسفته:
‏‏ «إن لم نستطع أن نجعل من كل متعلّم فدائيًا، فإننا قادرون على أن نجعل من كل فدائي متعلّمًا.»
هذه العبارة توضح العلاقة الوثيقة بين التعليم والمقاومة، فالأسير المتعلم يصبح قوة فكرية قادرة على مواجهة الاحتلال، والفدائي المثقف يصبح حاملًا للوعي والثقافة إلى جانب صموده ومقاومته.
‏‏تحويل السجون إلى جامعات
‏في رؤية البرغوثي، لم يكن السجن مكانًا للانكسار، بل أرضًا يمكن استثمارها لتطوير العقل والوعي. لتحقيق ذلك:
‏‏فتح أبواب الجامعات: تم إنشاء برامج للانتساب الجامعي داخل السجون، تتيح دراسة شهادة البكالوريوس، وكذلك متابعة الدراسات العليا بما فيها الماجستير والدكتوراه، في تخصصات متنوعة مثل العلوم السياسية، العلاقات الدولية، الدراسات الصهيونية، التاريخ، العلوم الإنسانية، والقانون الدولي.
‏‏مشاريع تعليمية ومبادرات ملموسة: أُنشئت لجان تعليمية لتنظيم المحاضرات والدورات الأكاديمية وورش العمل، مع التركيز على تنمية مهارات التفكير النقدي والوعي الوطني.
‏‏تطوير برامج أكاديمية كاملة: تم إعداد مناهج تربط بين الثقافة الوطنية والوعي السياسي، لتكون جزءًا من عملية تعليمية متكاملة تعكس الواقع الفلسطيني وتثري الفكر المقاوم.
‏‏تشجيع الأشبال والشباب: ركز البرغوثي على تحفيز الأسرى الشباب على القراءة والبحث المستمر، وصقل مهاراتهم الفكرية، ليصبح كل أسير متعلمًا فاعلًا، قادرًا على مواجهة الاحتلال فكريًا ومعرفيًا.
‏‏التعليم والمقاومة الفكرية
‏بفضل هذه الجهود، أصبح التعليم أداة مقاومة فعلية داخل السجون:
‏‏الكتب والمقررات تحولت إلى أسلحة فكرية ضد الاحتلال.
‏‏الزنازين والقاعات الصغيرة صارت جامعات مصغرة تُدار فيها المعرفة كجزء من برنامج نضالي متكامل.
‏‏التعليم عزّز الصمود الذهني للأسرى، وأثبت أن العقل الفلسطيني لا يمكن أن يُسجن، وأن الإرادة والمعرفة تصنعان مقاومة مستمرة.
‏‏أثر المشروع التعليمي
‏هذه المبادرات أحدثت ثورة حقيقية في الفكر الوطني للأسرى: ‏‏رفع مستوى الوعي السياسي والثقافي. ‏
‏خلق بيئة تعليمية متكاملة تتيح متابعة التعليم العالي داخل السجون.
‏ربط التعلم بالمقاومة اليومية، بحيث أصبح كل درس ومحاضرة جزءًا من صناعة الإنسان الفلسطيني المقاوم والمثقف في آن واحد.
‏‏يبقى إرث مروان البرغوثي في التعليم داخل السجون رسالة للأجيال القادمة: العقل والوعي لا يمكن أن يُسجنا، والمعرفة أقوى من كل القيود. لقد أثبت أن السجن مهما اشتد قيده يمكن أن يتحول إلى جامعة حقيقية للتعليم والمقاومة، وأن العلم والمثابرة والصمود أدوات فاعلة في مواجهة الاحتلال. ‏‏ونحن اليوم، على عهد القائد البرغوثي، نقف ثابتين على دربه، متمسكين برسالة التعليم والنضال، محافظين على إرثه الفكري والمقاوم. ونتمنى له الحرية القريبة، ليواصل دوره القيادي على أرض فلسطين الحرة، ليظل مثالًا حيًا للقائد الذي جمع بين العلم والمقاومة، بين الفكر والصمود، بين الثقافة والنضال، ولتبقى رسالته شعلة تنير دروب الحرية في قلوب كل الفلسطينيين.