طباعة هذه الصفحة

هكذا حدثــتُ «سمعـان»

بوطي محمد / بسكرة

في هذا اللّيل الباهت يا سمعان
الصّمت ضباب أملس ممتقع السحنات
النّاس انفضت نحو نعاس أغبر
أسألُ...كيف تصيخ لهذا اللّغو البائس
لا ترتاب كأن الثّقب الغائر
هذا الثّقب براء رغم اللدغة تِلو الأخرى
كل اللغو بهذا الوقت حكايا باردة
بهتان الراوي الساقطِ في تابوت الطُمِّ
مريب هذا الهرفُ النافث سم فجائعه
سمعان تريث...
لا يغريك دعاء الكاهن
لا غابات تنبت عند منافذ سطوته الرعناء
إسأله الجنة عند الإستيقاظ
قبيل حلول مساغب موجعة
قبل الأطفال تمضمضهم أشداق الجوع
ترجل قبل حلول اللوثة
قبل النّار تبيض جرائرها
استغفر قبل حلول القادم من أيام
لست تطيق حمولتها
ضع يا سمعان القطن
كثير القطن على صمام الأذن
لعلّك تبصر ما في الصّمت من اللمعان
لعل الراوي كان يقود خراف الوعي لمسلخه
آه يا سمعان
تملكني الإعياء وضاقت كل منافي العمر
ومالت هذي الشمس كميل جناح
أنهكه الطيران...يميل القلب
لأُصبح مضغة سهوٍ عالقة في الحد الفاصل
بين صهيل الليل
وما يلقيه صباح الله من الأوزار
صباح ظل يجيء رويدا مثل الشيخ الأحدب
كنت أعدُّ الشَّعر الأبيض يغزو رأس الطفلة
وهي تعُدُّ الموتى...واحد بعد الألف
إثنان...وأقرأ إسمي فوق أصابعها
فألوذ إلى طابور الشَقِّ المهمل
ماذا لو دقت...
في هدأة هذا الليل
نواقيس التهمة يا سمعان
يصنع لي تابوتا من سوء سرائره
الآن قبيل حضور الظن السيء
أكتبُ...
ماذا أكتب غير وصايا بائسة
لا تمسك ذيل العاصفة الدكناء
لا تصلح للريح أظافرها
لا تُقرِئها أي النحت
وماذا بعدُ...
هل تحفر بئرا داخل قلبك
كي تدفن أرقاما عدتها الطفلة؟
هل تغسل نصف القلب بدمع الطفلة
والنصف يضج بما في الدهر من الأوزار؟
كن يا سمعان الحدّة
كن موفور الشك سؤالا يخدش وجه الريبة
يا سمعان لعلك كنت أنا في وقت آخر
لكني من عِلّة هتك الساكن
صرت بهذا اللون الآخر...صرت أنايا أنا
غيرت مقاس حذائي...أنياب اللبن الأولى
صيرت دماغي مأوى للأكوان الْ شتى
أصبحت كهمزة وصل لا تقطع للصوت نثيثا
فهل ميلادك يبقى موتا يسعى
عبث غطاه نسيج عناكب في مدخنة عمياء؟
أكتب فوق الشاهد يا سمعان
شاهد قبري ...مات مرارا
أكثر ممّا يأتي الموت ولم يدفن بعدُ