طباعة هذه الصفحة

ذكرى المولد يجــــب أن تتــلاءم والتغيرات الافــتراضية

فتيحة كلواز

«زاد النبي وفرحنا بيه صلى الله عليه يا عاشقين رسول الله صلى الله عليه...»، كلمات ترسخت في ذاكرة المجتمع الجزائري ارتبطت لعقود طويلة بذكرى المولد النبوي الشريف الذي صنع فرحة عاشها الجزائري وافتخر بها خاصة في الفترة الاستعمارية وكانت حينها إحدى الوسائل المهمة لرد محاولات طمس الهوية الوطنية وبعدها الإسلامي.
هذه الهوية الوطنية التي حافظت على ركائزها رغم  قرن و نيف   من الاستعمار تواجه خطرا كبيرا وسط المد الافتراضي الذي أصبح العالم   يعيش داخله النشء الجديد يعكسه الرقم الرهيب لعدد الجزائريين المالكين لصفحة فايسبوك على الفضاء الأزرق حيث قدر بـ20 مليون صفحة ما يعني ضرورة جلبهم بذات الوسيلة المنغمسين داخلها حتى نحصنهم من الافكار الدخيلة وكل ذلك من أجل الحفاظ على هويتهم الوطنية والدينية.
على الخطاب الديني أن يتلاءم وهذا المتغير المهم في حياة ويوميات الجيل الجديد لأنه الركيزة التي يعتمدها الغير لاستهدافهم وتفريغهم من المرجعية الدينية السنية المالكية التي كانت دائما مرجعية الجزائريين الدينية، كيف لهذا الخطاب أن يجعل من ذكرى المولد النبوي وقفة يقفها الصغير والكبير من اجل التدبر في السيرة النبوية التي عكست جوهر الإسلام وحقيقته المبنية على التسامح وقبول الآخر.
 كيف للمولد النبوي أن يكون كما كان من قبل في العهد الاستعماري مناسبة لإبراز البعد الديني للجزائريين، فكانت إحدى الطرق الناجعة التي اعتمدوها للوقوف في وجه المستعمر، فلم تتعارض عندهم الوطنية والدين أبدا بل اتحدا لبناء سد منيع أمام سياسة حاولت السلطات الفرنسية طويلا إذابة كل ما هوجزائري إسلامي في شخصية غربية بعيدة عن أصالة الهوية التي تربى عليها أجدادنا.
الباحث والمستشار بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف يوسف مشرية ركز في حديثه عند نزوله ضيفا على جريدة «الشعب» على أهمية الاستثمار في العالم الافتراضي بتسويق خطاب ديني موجه إلى الأجيال الصاعدة حتى تبقى رمزية مثل هذه المناسبات راسخة في أذهان الناشئة المعرضين إلى الكثير من الهجمات الخفية لضرب هويته ووطنيته،دون إغفال الدور المهم الذي تلعبه الأسرة والمدرسة والإعلام في إعطاء أساسات وركائز دينية متينة لأجيال اختلفت مصادره عما كانت عليه من قبل.
هوالسبب - حسب يوسف مشرية - في إطلاق مشروع مساجد فايسبوكية التي فعّلت وبدأت نشاطها منذ سنتين، ليتنقل المسجد بذلك إلى المواطن ولا ينتظر قدومه إليه حتى لا يقتصر تأثيره على رواد المساجد فقط وحتى نحد من الحملة الشرسة التي يواجهها المسلمين في العالم، أين يسوق الإسلام على عكس جوهره وحقيقته، فينبغي على الإمام،والمرشدة الدينية إن يسوقا خطاب ديني يدعوإلى الاعتزاز بالشخصية والهوية الدينية ويتساير مع الأحداث في العالم الافتراضي.
وفي سياق تدخله، قال يوسف مشرية أننا كمجتمع ،علماء وباحثين يجب أن نملك الشجاعة لتجاوز الطابوهات في المسائل الدينية بالحديث بأريحية عن المسائل التي تثير نقاشا حادا كمسألة مغزى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف والذي رآه واجبا في المرحلة الراهنة لان الأجيال الصاعدة بحاجة إلى التعرف على السيرة النبوية الشريفة وكذا تذكر خصّال الرسول صلى الله عليه وسلم والايجابية التي كان يتعامل بها مع الآخر مهما كان دينه أوجنسيته.
...سيرة نبوية عطرة كان أجدادنا يجسدونها في تلك العادات والتقاليد التي رسخت لصلة الرحم والتقارب والعطف على المسكين، سيرة كان المولد النبوي الشريف فرصة لإبرازها وترسيخها في ذاكرة الأجيال الصاعدة التي حافظت عليها حتى وصول المد الافتراضي الذي غيّر قواعد الحفاظ على الهوية والتفرد بها بعيدا عن الانسلاخ بلا إفراط ولا تفريط، فلم يعد كافيا اليوم بث مديح «زاد النبي وأفرحنا بيه صلى الله عليه» للراحل محمد عزيز ليلة المولد النبوي الشريف للحفاظ على الهوية الدينية وأصبح مملا للكثيرين ذاك الخطاب الديني النمطي الذي يشعر السامع له انه فُصل عن الواقع طوال مدة استماعه له، نحن اليوم، بحاجة إلى مُلقي مُدرك للتحديات الرقمية الذي يعيشها المُتَلقي في عالمه الافتراضي الخاص، فكما صنع سكان مدينة شرشال المنارة وزينوها بنجمة وهلال للوقوف ضد المستعمر بإبراز افتخارهم بمحمد صلى الله عليهم بعد أن رأوا احتفالهم بمولد المسيح عليه السلام، نحن اليوم بحاجة إلى منارة افتراضية يصنعها النخبة لإبقاء الأجيال الصاعدة على مرجعية أجدادهم سنية مالكية.