طباعة هذه الصفحة

لمواجهة فكر التطرف والفتاوي التضليلية

أي مسؤولية للخطاب الديني في الدفاع عن المرجعية الوطنية؟

فنيدس بن بلة

كيف السبيل لحماية المرجعية الدينية الجزائرية في ظل تمادي خطاب عبر فضائيات يروج إلى مذاهب غير مذاهبنا، وقيم غير قيمنا؟ إلى أي مدى يمكن للخطاب الديني في الجزائر التصدي لهذا الفكر بغرض استمالة الجزائري وتوجيهه حسب الإيديولوجيا المراد تصديرها وإبعاده عن مرجعيته الوطنية التي تستمد أصولها وخصوصيتها من الانتماء الحضاري الضارب في الأعماق؟

إنها إشكالية مطروحة منذ مدة وتعود بنا إلى الثمانينيات حيث تسببت لنا الظاهرة في زلزال كان له الأثر البالغ على التماسك الاجتماعي والتلاحم الوطني، ذكر به بوعبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى من فضاء ضيف «الشعب» متوقفا عند أبعاد وخلفيات خطاب تكفيري تفشى خلال العشرية السوداء، زادته تطرفا وتوهجا الفتاوى المذلة المتهمة المجتمع الجزائري بأنه خارج الملة وبعيد عن الإسلام الذي أعطاه أصحاب هذا الفكر مضمونا حسب المزاج نازعين منه قيم الصفاء، التسامح والجدل بالتي هي أحسن وأقوم.
تمادى أصحاب الفكر التكفيري المتشبع بمناهج ومذاهب غير مذهبنا المالكي الذي تربت عليه الأجيال منذ عصور وتشبعت بأفكاره وقيمه في مسعاهم الآتي من الخارج من أجل إحداث حواجز بين أبناء الوطن الواحد الذي لم يتخلوا يوما عن عقيدتهم ولم يخالفوا ما أخذوه من علمائهم من خصائل كانت دوما حصنهم المنيع من التطرف والغلووالاغتراب.
من هنا يفهم لماذا لم ينساق الجزائريون وراء هذا التيار المتدفق بقوة خارقة خلال العشرية متخذا من فضائيات خارجية نمت كالفطائر ويجهل مصدرها وتمويها. وكيف كانوا كالبنيان المرصوص يقاومون الفكر الديني غير المالكي بالمعرفة رافعين من مستوى الخطاب الديني، ملتفين حول الوطن، مساهمين في بقائه واقفا صامدا، متخذا من المرحلة العصيبة قوة انطلاق نحوالتغيير والانفتاح في ظل احترام الخصوصية والأصالة.
على هذا الأساس، أنشئ 12 معهدا لتكوين الأئمة، وجامعات ذات برامج تخرج كفاءات معرفية متخصصة تروج للمرجعية الدينية الوطنية تساعد على تحصين أفراد المجتمع من الافكار الغريبة الهدامة والسموم المشككة في الانتماء والأصالة والهوية. كفاءات تمتلك أوراقا بحثية عن دور الخطاب الديني في الإعلام والتربية والتعليم، وأهميته في التماسك الاجتماعي، والعلاقة مع وسائل الاتصال والتحديات..
وتدعم هذا المسار، إذاعة القرآن الكريم التي أنشئت في عهد الراحل الطاهر وطار وتتفاعلها مع المحيط وتفتحها على الكفاءات الجامعية الجزائرية التي تعرف النشء بأصول الدين الصحيح والفقه وتشجع على الاجتهاد دون القبول بالأفكار الجاهزة الجامدة الموضوعة على المقاس. وهذا التفتح الذي اعتمدته قناة القران الكريم مكن من استمالة الجزائريين في التحاور بينهم والإجابة عن أي استفسار وإشكالية اعتمادا على مرجعيتنا بعدما كانت الفضائيات الأجنبية التي تقدم نفسها أنها مختصة في الشؤون الدينية وجهة الكثير من المواطنين.
وبحسب غلام الله فإن توظيف أي إمام أومختص في أية قناة تلفزيونية لا بد أن تتوفر فيه الشروط العلمية المعرفية السامحة له بالإدلاء بأي موضوع، لكن وفق المرجعية الوطنية.لهذا طالب غلام الله من وزارة المعنية أن تتحمل مسؤوليتها في تولية هذه المهمة والحرص على اعتماد خارطة طريق يؤكد أن كل مثقف يتكلم باسم الدين يكون من خلال قناة تبث في الجزائر، كما أن توظيف من له علاقة بالدين لابد أن تتوفر فيه الشروط المعرفية أولا والكفاءة التي تمكنه من الترويج للمرجعية الوطنية التي تبقى الحاجز المانع ضد مذاهب التشيع، والخطاب التكفيري الذي وإن لم ينجح في التغلغل إلى عمق المجتمع يخشى عودته في أي لحظة متخذا من الأزمات منافذ لبث سمومه وأخطاره المهددة لكيان الأمة خاصة في ظل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وإغراق مواقع افتراضية بفتاوى تضليلية وأفكار ماضوية لا تستجيب لأسئلة الراهن وترسخ للمبدأ المقدس: الإسلام دين ودنيا.