طباعة هذه الصفحة

استحداث هيئات وطنية لضبط المحتوى الرقمي

مواقــع التواصــل وراء انهيـار اقتصاديات المؤسسات الإعلاميــة

حمزة محصول

لفت أستاذ التكنولوجيات الرقمية، بجامعة هواري بومدين بباب الزوار، فريد فارح، إلى التهديد الجدي الذي تمثله مواقع التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية في مجال الإعلانات، محذرا من أنها قد تسحب البساط من تحتها نهائيا. فيما أكد المختص في شؤون المعلوماتية زهير مزيان، أهمية استحداث هيئات متخصصة لمراقبة محتويات هذه الفضاءات الافتراضية في الجزائر.
باتت مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة «فايسبوك»، سببا رئيسا في انهيار اقتصاديات وسائل الإعلامية التقليدية في العالم، بعدما امتصت النسبة الأكبر من الإعلانات (الإشهار) وفق ما أكده فريد فارح، في منتدى «الشعب».
وقال المتحدث، إن فايسبوك بعائلته التي تضم تطبيقات تواصل أخرى (ماسنجر، إنستغرام، وواتساب)، أصبح «منافسا شرسا للصحف التقليدية في ميدان الإعلانات». ومعروف أن إيرادات الإشهار تشكل مصدر التمويل الرئيسي لوسائل الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي.
وكشف أستاذ التكنولوجيات الرقمية، أن فايسبوك يستحوذ على 8 ملايين معلن عبر العالم، «ولم يترك شيئا تقريبا للصحف». هذا الوضع «دفع بالمؤسسات الإعلامية التقليدية إلى التحول للمجال الرقمي، لمنافسة محرك البحث العالمي غوغل وموقع فايسبوك».
وبالنسبة لفارح، لن يكون حال الصحف، وخاصة الجزائرية، أفضل عند إقرار الدفع الإلكتروني الذي يفرضه التطور التكنولوجي، حيث «سيتيح للمعلنين تسديد أقساط الإشهار عبر صفحات مواقع التواصل التي تستضيف مئات الملايين من المستهلكين الافتراضيين بشكل يفوق كثيرا جمهور الصحف ووسائل الإعلام بصفة عامة».
واستشرافا لهذا المستجد المستقبلي، يحاول فايسبوك صك عملة إلكترونية خاصة به، « لأن تغير طرق الإعلانات التقليدية باتت محسومة بالنسبة له»، يؤكد المتحدث. الذي أضاف أن «أباطرة التعاملات المالية التقليدية في العالم وحدهم من استطاعوا كبح طموحات مالك فايسبوك مارك زوكربيرغ».
وقدم المحاضر رقما ضخما عن قيمة إيرادات الإعلانات من قبل فايسبوك خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، «إذ حصل مبلغ 47 مليار دولار»، وساعده في ذلك حالة الطوارئ الصحية التي فرضتها جائحة كورونا، بعد إقرار الحجر الصحي الإلزامي ولجوء شعوب العالم إلى التسويق الإلكتروني».
وأفاد فارح، بأن الوضع في الجزائر، لن يكون مختلفا كثيرا عن الدول الأخرى، حيث تظهر الإحصائيات المحدثة مؤخرا أن 19 مليون جزائري يملكون حسابا بفايسبوك وهو «ما يشكل منجما ضخما للناشرين والمعلنين».
وأشار إلى أن الوضع قد ينقلب رأسا على عقب لصالح المؤسسات الإعلامية، في حال استمرار خطة الخناق المالي التي يمارسها الجمهوريون على مؤسس فايسبوك بعد الخلاف الذي نشب بينه وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأعلنت شركات أمريكية عملاقة على غرار كوكا كولا، توقيف إعلاناتها على المنصة الزرقاء، «وفي حال تبعتها مؤسسات أخرى، سيتقلص حجم نفوذها كثيرا، لأن التمويل هو نقطة ضعف الشبكات الاجتماعية»، يؤكد المتحدث.
في سياق آخر، قال الإعلامي والمختص في المنصات الرقمية، زهير مزيان، إن الجزائر سيكون بإمكانها الانتقال من موقع «مراقبة» محتويات فضاءات التواصل الاجتماعي، إلى موقع «ضبط» هذا المحتوى، عندما «تستحدث هيئات مختصة مشكلة من خبراء في التكنولوجيات والقانون».
وأكد على أهمية ربط مفاوضات مباشرة بين هذه الهيئات الوطنية ومؤسسات التواصل الاجتماعي التي تخضع للقانون التجاري الأمريكي، لبحث إمكانية التوصل إلى «ضبط المحتوى الذي يخص الجزائر بما يتماشى وقيم ومبادئ وعادات وتقاليد البلاد».
ومن شأن استحداث هيئات متخصصة، تفادي الوقوع في أزمات أومشاكل ترتبط بالمحتوى الرقمي، مثلما حصل في السنوات القليلة الماضية مع تسريب أسئلة شهادة البكالوريا عبر صفحات الفايسبوك.
وفي السياق، قال فريد فارح، إن دول العالم من مصلحتها الضغط على مؤسسة فايسبوك حتى تنشئ مكتبا بكل دولة يتولى توطين بيانات المشتركين محليا ويضبط المناشير وفق العادات والتقاليد والقوانين المحلية.
وبينما استطاعات دول غربية كسب دعاوى قضائية ضد عملاقة التكنولوجيات، ونالت تعويضات مالية معتبرة (قضايا انتهاك الخصوصية) يصعب على دول أخرى خوض هذه المعارك، خاصة وأن تلك الشركات تخضع للقانون الأمريكي.