طباعة هذه الصفحة

قيمــة الدينــار الجزائـري فـــي الســوق

”تدهور الدينار يخدم الأجانب والسوق الموازية بدأت بالتهرب الضريبي”

حاوره: سعيد بن عياد

 ”الحـــل للسيولـــة الموازيـــة ممكــــن بتغيـــير العملــــة والمؤسســــات اللاّربويـــة ممــــر لابــــد منــه”

يشخص شبايكي سعدان الاستاذ الجامعي ورئيس الجمعية الوطنية للاقتصاديين الجزائريين وضعية الدينار الجزائري الذي سجل تراجعا غير مسبوق مقارنة بالأورو، داعيا إلى مواجهة الوضع بإجراءات جذرية تنطلق من كسر سوق العملة الموازية التي تخدم أكثر مصالح المتعاملين الأجانب. كما يتناول في هذا الحوار مختلف الجوانب المرتبطة بالعملة ويعرج على مسائل اقتصادية ترتبط بها مثل مشاركة الخواص في التنمية ضمن دفتر شروط صارم ليؤكد على أن المخرج يكون من بوابة الرفع من معدلات إنتاجية العمل ومكافحة تهريب العملة وتضخيم الفواتير باستعمال التكنولوجيات الجديدة.

الشعب: هل القيمة الحالية للدينار هي الحقيقية وما يجب القيام به لرد الاعتبار للعملة الوطنية؟
شبايكي سعدان: إن قيمة الدينار هي تلك التي تتحدد عند نقطة تقاطع العرض من السلع والخدمات والطلب على هذه السلع والخدمات، والتقاطع يتحدد عنده السعر ايضا، ونلاحظ مع الأسف أن هذه القيمة هي في انحدار دائم بحيث يمكن الجزم بأن قيمة الدينار التبادلية قد تدنت بأكثر من 60 بالمئة والسبب يعود في رأيي إلى ما يلي :
-نقص الإنتاج والخدمات كما ونوعا حيث إن السوق يعيش اختلالا كبيرا وبشكل دائم بسبب سوء التنظيم وتداخل القوانين أحيانا وغياب الصرامة في تطبيقها أحيانا أخرى (مكافحة الاحتكار والتهريب والمنافسة غير القانونية وغير الشريفة).
- تنازل الدولة عن دورها كضابط (régulateur) اقتصادي عبر التخطيط وضمان توزيع الإنتاج والخدمات، ونجد الآن في الجزائر مناطق تفتقر إلى الطماطم ومناطق ترمى فيها هذه السلعة في المزابل بسبب نقص أو انعدام الطلب وهذا يعني أن المشهد الإنتاجي في بلادنا سيء جدا بسبب عدم تكفل الدولة عبر مؤسساتها المعنية منها الخاصة بالتجارة بما يلزم من السياسات للقضاء على الفوارق التي تؤثر على العرض والطلب وهو الشيء الذي نجد له رد فعل في تدهور القيمة التبادلية للدينار ونزوعها نحو الانخفاض.
- السعر التبادلي للدينار بالعملة الصعبة الحالي المتميز بسعرين أحدهما رسمي والآخر غير رسمي (السوق السوداء) أدى بفعل الطلب على العملة الصعبة الشحيحة إلى نزوع الدينار إلى الانخفاض باستمرار.
إن رد الاعتبار للعملة الوطنية يبدأ في رأيي بضرورة تغيير العملة الوطنية بقيمة جديدة لأن هناك وحدات نقدية لم تعد تتداول (الدينار ونصف الدينار وخمس الدينار والخمسة دنانير)، بل لم تعد موجودة إلا بالاسم، وهذا الإجراء سيعطي للدينار قيمته الحقيقية وستتعدل بناء عليه القوتين الشرائية والتبادلية للدينار من جهة ومن جهة أخرى سيؤدي هذا الإجراء كذلك إلى استرجاع الكتلة النقدية الموجودة خارج الدائرة الرسمية للاقتصاد في السوق الموازية والتي يقدرها الخبراء بما يقارب الـ 45 بالمائة من إجمالي الكتلة النقدية.
لماذا هذا التدهور السريع لقيمة الدينار في السوق الموازية ومن المستفيد من ذلك؟
السوق الموازية في الجزائر مزدهرة وقد بدأت بالتهرب الضريبي حيث يلجأ المتهربون إلى الممارسات الاقتصادية عبر الالتفاف وتجنب القوانين وينتجون ويبيعون السلع والخدمات خارج الإجراءات الرسمية. كل هذا أدى إلى حدوث تهريب الأموال الذي أدى بدوره إلى ارتفاع الطلب على العملة الصعبة.
كما أن السياسات المنتهجة ساهمت في ارتفاع قيمة العملة الصعبة عبر سياسات المنع والحماية غير المدروستين.
ما هي تداعيات انهيار الدينار بالنسبة للاقتصاد الوطني؟
على اعتبار أن الآلة الاقتصادية تعتمد أساسا على المال فإن تدهور قيمة الدينار تساعد أكثر المستثمرين الأجانب، لكن السياسات الحمائية والقوانين القائمة تمنعهم من المجيء. بالنسبة للاقتصاد الوطني فإن أثر تدهور قيمة الدينار ينعكس مباشرة على تكاليف إنتاج السلع والخدمات والتي يظهر أثرها على المستهلك في ارتفاع الأسعار، الشيء الذي يؤدي بدوره مرة أخرى إلى التهرب الضريبي ويجعل الممارسات الاقتصادية تتم خارج الدائرة الرسمية.
كيف يمكن الحد من الاختلال بين سعر الصرف الرسمي والموازي؟
إن الحد من الإختلال بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي يتطلب اللجوء إلى إجراء فيه “شجاعة “لتفعيل قانون أعوان الصرف الذي سيكون صعبا في البداية ولكن بمرافقة حكومية خلال 3 إلى 5 سنوات سيقترب السعران من بعضهما من جهة ومن جهة أخرى سيساهم رفع المنحة السياحية كذلك في تقريبهما.
 يتطلب بالموازاة مع ذلك ضرورة أن تغير البنوك سياساتها في التعامل بالعملة الصعبة عبر تليين وتحديث الإجراءات وأساليب التسيير وتشجيع الادخار بالعملة الصعبة عبر مزايا تفاضلية (سكن، قروض،.. ) وأخيرا يجب إيلاء جاليتنا في الخارج اهتماما خاصا عبر ما يلزم من الإجراءات والسياسات التي يجب أن تصب كلها في خانة التحويلات الرسمية إلى البلد بتسهيلات داخل الوطن مرفوقة بحزمة مزايا اجتماعية واقتصادية (استفادات واستثمار وغيره).
زيادة على انهيار سعر المحروقات، ما هي الأسباب المباشرة الأخرى في هذه الوضعية؟
يمكن إضافة إلى ما سبق أن نذكر:
-عدم تعميم استعمال وسائل الدفع المتنوعة (شيك، بطاقات مختلفة، تحويلات) الشيء الذي كرس الإكتناز غير الرسمي ومن ثم ظهور واتساع وتفشي السوق الموازية.
- التراجع عن بعض السياسات الاجتماعية ومنها على سبيل المثال القرض الاستهلاكي (أعيد مؤخرا بصيغة جديدة) الذي إلى جانبه المتمثل في التسهيل على المواطنين هو أداة في يد الحكومة تضبط به الاقتصاد وتشجع الإنتاج الوطني وبالتالي الاستثمار.
- الاستمرار في سياسات الدعم والتحويلات الاجتماعية التي تمس الآن كل أفراد المجتمع بحيث يشتري الوزير والمواطن معدوم الدخل “رغيف الخبز” بنفس السعر، وأنا أرى أن هذه السياسة هي تبذير للموارد، وكان أولى أن يعاد فيها النظر ليصل الدعم إلى مستحقيه فيتحجم الطلب قليلا ليقترب من العرض من ناحية وتستفيد الدولة من فائض كبير من هذه التحويلات بعد حصر المعنيين بها.
كيف السبيل إلى معالجة السوق الموازية للعملة الصعبة لادراج السيولة المتاحة في المنظومة الاستثمارية؟
إلى جانب ما ذكرته في سؤالكم الرابع فإني أضيف بأن الحل الوحيد للسيولة الموجودة خارج الدائرة الرسمية لا يمكن التمكن منها إلا بالصدمة الاقتصادية غير الموجعة، أي تغيير العملة وإلزام أصحاب الأموال بفتح حسابات لدى المؤسسات المالية، ثم البدء وترسيخ استعمال وسائل الدفع المختلفة على كافة المستويات وهو أمر ممكن إذا توفرت الإرادات.
يبقى العمل (الانتاج والإنتاجية) المصدر الأول لقيمة العملة، هل يمكن انجاز هذا الشرط في الظرف الراهن؟
يتصف الجهاز الإنتاجي في بلادنا بالضعف لسببين: عدم التحكم في الكلفة مقارنة بالمعايير الاقتصادية العلمية وكذا المعايير الدولية وهذا لا يعني أن المؤسسة الجزائرية غير قادرة، إنما متاعبها تعود إلى المحيط الذي تعيش فيه (عدم التحكم في الوقت، عدم التأهيل والرسكلة، الممارسات البنكية الطويلة والسيئة، الجهاز الضريبي غير المرن وغير المتطور،..)
ضعف الإنتاجية بسبب عدم التأهيل الصحيح والضعف “المناجريالي” الحاصل في التكليف بالمسؤوليات والتسيب وإهدار المال والوقت، وهذان السببان يصبان في خانة ارتفاع الكلفة وبالتالي ارتفاع السعر ثم الندرة وعدم التنافسية التي تميز الاقتصاد الجزائري الآن.
في ذات السياق يمثل التصدير خارج المحروقات ضمانة لتامين الاحتياطي بالعملة الصعبة. ما هي شروط نجاح هذا المسعى من حيث الدور الذي تتحمله المؤسسة الاقتصادية؟
فيما يخص التصدير يجب أن نكون واقعيين عبر القيام أولا بتشخيص لحالة الاقتصاد الجزائري والإجابة على السؤال التالي : هل لدينا إنتاج قابل للتصدير خارج المحروقات ؟
عند التشخيص نجد أن:
إنتاجنا ردئ في أغلبه وفقا لمواصفات التصدير وغير مطابق للمواصفات الدولية.
الأجهزة ذات العلاقة بالتصدير ضعيفة شكلا ومضمونا فلا سرعة في التنفيذ ولا تسهيلات. كلف الإنتاج لدينا عالية جدا مما يجعل العائد ضعيفا.
غير أنه توجد إمكانيات للتصدير خارج المحروقات عبر القضاء أولا على ما ذكرناه عند التشخيص ثم تفعيل دور ممثلياتنا الدبلوماسية بتزويدها بالعنصر البشري المتخصص واعتبار أن العمق الإقتصادي الأول والمتقدم هو السوق الإفريقي أولا، والذي لا يمكن بدونه الوصول إلى السوق العالمية.
هل للمتعاملين والمستثمرين دور في تأمين احتياطي الصرف بالمستوى المقبول عن طريق ترشيد الانفاق بالعملة الصعبة واقتصاد الموارد؟
طبعا، ويتم ذلك مثلما أشرتم عبر الاندماج في مسعى التقشف والاستعمال العقلاني للموارد، كما أن الدولة مدعوة إلى قبول مشاركة الخواص في تمويل التنمية عبر السماح بتوسيع السوق المالية بإنشاء مؤسسات مالية وبنوك خاصة تعمل وفق القانون ودفاتر شروط مضبوطة بشكل جيد ومدروسة دراسة تتداخل فيها كل الاحتمالات.
كما لا ننسى انه وفقا لمبدأ البراغماتية فإن الأخذ بتجربة المؤسسات المالية اللاربوية ممر لابد منه في ضوء التجارب الدولية أولا، وإيمان ما يفوق نصف المجتمع بتحريم الفائدة شرعا ورفض التعامل مع البنوك الحكومية القائمة.
في ذات السياق هناك سلوكات يترتب عنها ضياع أموال في كماليات مثل السفر بإفراط إلى الخارج؟
نعم، ورغم مساعي الحكومة إلا أن هناك مهمات كثيرة ما تزال تتم ويمكن الاستغناء عنها بالإضافة إلى الإفراط في الاحتفالات والإحتفاءات بأموال كثيرة يغلب عليها الطابع الاستهلاكي على الطابع الثقافي، الذي ما أحوجنا إليه، كما انه أمام عدم فعالية ممثلياتنا الدبلومسية اقتصاديا فإن تقليص الأفراد فيها واختيار الكفاءات يطرح نفسه في هذا المقام بإلحاح شديد.

هناك مطلب بالرفع من منحة السفر، لكن بنك الجزائر يحذّر، ما رأيك؟
سبق لي وأن تحدثت في أكثر من منبر علمي عن هذا الأمر وقلت انه من حق المواطن أن يسافر للترويح والاستفادة، وبناء عليه فعالميا قيمة المنحة السياحية تساوي المبلغ الذي يضمن العيش أسبوعا في مستوى مقبول.
 إذا ما نظرنا إلى الأسعار الدولية فإن اليوم يتكلف في الحدود الدنيا المقبولة بمائة أورو، وبالتالي فإن منحة لا تساوي على الأقل 700 أورو ليس حريا بها أن تسمى منحة سياحية، بل هي “محنة”.
ماذا عن تضخيم الفواتير عند الاستيراد، كيف يمكن معالجة هذه المسألة الخطيرة لمنع استنزاف الموارد، وعلى من تقع مسؤولية البنوك أو الجمارك أو الضرائب؟
إن ظاهرة تضخيم فواتير الاستيراد هي الوجه الآخر لتهريب الأموال والغش والإضرار بالاقتصاد، ولا يخلو أي اقتصاد منها، ولكن الدول التي حجّمت هذه الظاهرة لجأت إلى:
استعمال التكنولوجيات الحديثة على نطاق واسع للتدقيق في الأسعار.
العقوبات الصارمة والعلنية لكي يكون للعبرة معنى. حديث أجهزة الجمارك.
مكافحة الفساد الإداري الذي يساهم إلى حد ما في تسهيل ممارسة هذا التضخيم.
تفعيل الاتفاقيات الدولية في هذا الصدد وما أكثرها.