لطالما ارتبط تسوّس الأسنان بصورة نمطية بآلام الفم والمشاكل الجمالية، لكن الدراسات الحديثة أظهرت أنّه يتجاوز حدود الابتسامة ليشكّل عامل خطر لأمراض صحية خطيرة تمسّ النمو، التغذية، وحتى المناعة. ومع تزايد نسب الإصابة، خصوصا لدى الأطفال في سنّ الدراسة، أصبح من الضروري إعادة النظر في هذا المرض “الصامت” الذي يُصنّف اليوم كواحد من أكثر الأمراض المزمنة شيوعا عالميا.
تؤكّد منظمة الصحة العالمية أنّ تسوّس الأسنان يصيب ما بين 60 إلى 90 بالمائة من الأطفال في سنّ الدراسة عبر العالم، ما يجعله من أكثر المشكلات الصحية انتشارا. غير أنّ خطورته تكمن في تداعياته الخفية. فعندما يتفاقم التسوّس، قد يمنع الطفل من المضغ الجيد، ويؤدي إلى فقدان الشهية أو تجنّب بعض الأغذية الصلبة، وهو ما ينعكس على تغذيته ونموه.
تسوّس الأسنان وفقر الدم
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Frontiers in Nutrition (فبراير 2024) أنّ الأطفال المصابين بتسوّس أسنان حاد كانوا أكثر عرضة للإصابة بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد. وأرجع الباحثون السبب إلى الألم المزمن الذي يحدّ من تناول اللحوم والخضروات الغنية بالحديد. ويشير الأطباء إلى أنّ هذا النقص قد يُضعّف المناعة ويزيد احتمالية الإصابة بالالتهابات.
علاقة وثيقة بالسمنة وتأخّر النمو
لا يقف الأمر عند حدود فقر الدم. فقد أوضح تقرير صادر عن الأكاديمية الأمريكية لطبّ أسنان الأطفال (2024)، أنّ التسوّس غير المعالج يرتبط بتأخّر النمو الجسدي والعقلي. وفي المقابل، أظهرت دراسة في Journal of Pediatric Health Care 2023 علاقة بين استهلاك السكريات المفرط – السبب الرئيسي للتسوّس – وارتفاع معدلات السمنة وضغط الدم المبكّر لدى المراهقين. هذا يبرز أنّ تسوّس الأسنان ليس عرضا معزولا، بل انعكاسا لعادات غذائية غير صحية تمسّ الصحة العامة.
بوابة لأمراض مزمنة منها مرض القلب
من جهة أخرى، أكّدت مراجعة نشرت في International Journal of Paediatric Dentistry (مارس 2024) أنّ البكتيريا المسببة للتسوّس (Streptococcus mutans) قد تنتقل من الفم إلى مجرى الدم في حالات الالتهابات الشديدة، ما يزيد من خطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي وربما أمراض القلب مستقبلًا إذا لم يتمّ علاج التسوّس في وقته.
أثر مباشر على التحصيل الدراسي
لا تقتصر آثار التسوّس على الجانب العضوي فقط، بل تمتد لتؤثر على الأداء الدراسي والنفسي. إذ تشير تقارير منظمة الصحة العالمية (2023–2024) إلى أنّ الأطفال الذين يعانون من آلام الأسنان المتكرّرة يواجهون صعوبة في النوم والتركيز، ما ينعكس على نتائجهم المدرسية ويضعّف ثقتهم بأنفسهم. وهنا يتحوّل التسوّس إلى عامل اجتماعي واقتصادي أيضًا.
الوقاية حجر الأساس
رغم هذه التداعيات الخطيرة، يبقى تسوّس الأسنان من الأمراض القابلة للوقاية. فالحدّ من استهلاك السكر، تشجيع الأطفال على تنظيف أسنانهم مرتين يوميا باستخدام معجون يحتوي على الفلورايد، وزيارة طبيب الأسنان بشكل دوري كل ستة أشهر، كلها خطوات أساسية أثبتت فعاليتها في خفض معدلات الإصابة. كما توصي الأكاديمية الأمريكية لطبّ أسنان الأطفال ببدء الفحص منذ بزوغ أول سنّ، أي في السنة الأولى من العمر.إنّ النظرة الطبية إلى تسوّس الأسنان عند الأطفال تغيّرت من مجرّد تسوّس على الفم، إلى مرض صامت قد يقود إلى مشاكل تغذوية، التهابات خطيرة، وأمراض مزمنة. ممّا أصبح يستدعي تعزيز الوعي داخل الأسرة، واعتماد خطوات وقائية مبكّرة مع ضرورة ضمان صحة الفم والجسم معا. لأنّ ابتسامة الطفل الصحية ليست مجرّد رمز للبراءة، بل مؤشّر على صحة عامة متوازنة ومستقبل خال من الأمراض.






