في قلب الظلمة، حين كانت القضبان تسرق النور، وتُخفي وجه الشمس، وُلد الأمل. ومن بين جدران القهر في سجن جنيد المركزي، حيث خاض الأسرى معركة الأمعاء الخاوية في “بركان أيلول” التاريخي، خرج صوت صارخ لا يُقهر، صوت يحمل وجع الوطن وأمل الحرية..
هناك تأسس نادي الأسير الفلسطيني، لا كمؤسسة فقط، بل كحالة وطنية نضالية، خُلقت من رحم العذاب، لتصبح قلعة من قلاع المقاومة والصمود. لم يكن تأسيس نادي الأسير فعلًا إداريًا، بل كان ملحمة.
كان تأسيسه إعلانًا بأن الأسرى ليسوا مجرد أرقام في دفاتر الاحتلال، بل قادة، مفكرون، مناضلون، قادرون على البناء وهم مكبلون، كما هم قادرون على إشعال الثورة وهم في العتمة.
من زنزانةٍ ضيقة، إلى مؤسسة وطنية تحمل الترخيص رقم (1) في سجل وزارة الداخلية الفلسطينية، كُتب لنادي الأسير أن يكون البذرة الأولى، الأولى فعلًا، في مسار الدفاع المؤسسي عن قضية الأسرى، فحُق لنا أن نفخر، ونرفع رؤوسنا عاليًا، لأن البداية كانت هناك، في أصعب الظروف، في أقسى المعارك.
قلعة أبو جهــاد.. مهــدُ المؤسســة والكرامـة
في سجن جنيد، القلعة التي تحمل اسم الشهيد أبو جهاد، قائد الثورة وصوت الأسرى، اجتمع الأحرار خلف الجدران ليرسموا ملامح أول مؤسسة تُعنى بالأسرى وحقوقهم، وبإرادةٍ لا تلين، وبعقول لم تُكسر رغم القضبان، خاضوا الإضراب، وانتصروا للكرامة، وكتبوا بداية جديدة في تاريخ النضال الفلسطيني. ومن هناك، بارك القائد الشهيد ياسر عرفات هذا الوليد النضالي، مؤمنًا أن من رحم السجن تُولد الحرية، ومن بين ركام القيد تُصنع الكرامة. ووقف إلى جانبهم داعمًا، مرشدًا، مؤمنًا بأن قضية الأسرى ليست هامشًا، بل جوهر الصراع، وبوصلة الوطن.
عقــود مـــن العطاء.. رغم العواصـــف
ورغم التحديات، ورغم الانقسام، ورغم تغيّر الأولويات أحيانًا في المشهد السياسي، بقي نادي الأسير صامدًا، واقفًا كالشجرة التي تضرب جذورها في الأرض، لا تهزّها الرياح، لأنه لم يكن مؤسسةً عابرة، بل روحًا حيّة حملها الأحرار أينما ذهبوا. عمل النادي على توثيق معاناة الأسرى، إيصال صوتهم للعالم، فضح جرائم الاحتلال، مرافقة الأسر في لحظات الألم، والوقوف سندًا لهم في قاعات المحاكم، في انتظار الزيارات، في ليالي القلق الطويلة. واستطاع ـ رغم كل الصعوبات ـ أن يضع ملف الأسرى على طاولات العالم، من الأمم المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان، من المنظمات الحقوقية الدولية إلى كل منابر الكرامة.
نادي الأســرى.. صوتنـــا الحــُرّ
إننا اليوم، حين ننظر إلى هذه المسيرة، من زنزانةٍ إلى مؤسسة، من صرخةٍ إلى صوت، من وجعٍ إلى نضال، يحق لنا أن نفخر. نحن الذين بدأنا هذا الملف من الداخل، من داخل جدران السجون، حولناه إلى عنوان وطني جامع، لا يُمكن لأي فلسطيني أن يمرّ عليه مرور الكرام. فالحرية لا تُستجدى، بل تُنتزع، والكرامة لا تُمنح، بل تُصان، وهكذا كان نادي الأسير، وهكذا سيبقى. مؤسسة لا تحكمها السياسات، بل تحركها دموع الأمهات، وآهات الأسرى، وأحلام الأطفال الذين ينتظرون آباءهم خلف البوابات.
ختامًــا.. الوفـاء للأسـرى نهــج وليــس شعـارًا
إنّ نادي الأسير لم يكن يومًا مجرد مؤسسة، بل كان ـ ولا يزال ـ تجسيدًا فعليًا لفكرة الوفاء. الوفاء لمن دفعوا أعمارهم في سبيل أن نحيا بكرامة. الوفاء لمن ضحّوا بحريتهم من أجل حرية هذا الشعب. وما دام فينا نفسٌ حر، وما دامت قضيتنا قائمة، سيبقى نادي الأسير منارة، قلعة، حارسًا لذاكرة الوطن وكرامة الإنسان الفلسطيني.






