الدفاع عن فلسطين..الصحراء الغربية وإفريقيا..ثوابت جزائرية
حلول إفريقيا بأيدي الأفارقة والعمل العربي المشترك ضرورة تاريخية
قال الباحث في العلاقات الاستراتيجية، نبيل كحلوش، أن خطابات وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، في أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، تعتبر تجديدا للعهد مع ثوابت الدبلوماسية الجزائرية، وإبرازا لصوت الجزائر المدافع عن القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ملف الصحراء الغربية، أزمات القارة الإفريقية، وأهمية بعث العمل العربي المشترك.
وأوضح كحلوش في تصريح لـ»الشعب»، إن عطاف تنقل إلى نيويورك ممثلا لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حاملا رسائل واضحة، تتصدرها فلسطين التي كانت المحور الأبرز في كل لقاءاته ومداخلاته، فقد شدد عطاف – باسم الجزائر – على ضرورة تحرك جماعي دولي لوقف العدوان الصهيوني المتواصل على غزّة، مع فرض وقف فوري لإطلاق النار، والدفع نحو تمكين دولة فلسطين من العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة.
ويرى الخبير أن هذا الموقف يعبّر عن وفاء الجزائر الثابت لمبادئها التاريخية في دعم الشعب الفلسطيني، بل ويجسد انتقالها من مجرد مرافعة سياسية إلى قيادة مبادرات فعلية، بعد أن أعلن عطاف شروع الجزائر في البحث عن آليات تنفيذية لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بغزّة، وهو ما يعكس – بحسب كحلوش – إرادة في جعل الدبلوماسية الجزائرية قوة اقتراح وفعل في آن واحد.
وأوضح أن مشاركة الجزائر عبر وزيرها أحمد عطاف في جلسات النقاش العام والاجتماعات الموازية، لا سيما تلك المخصصة لتأثير التكنولوجيات الحديثة على السلم والأمن، يؤكد على أن الدبلوماسية الجزائرية مواكبة للتحولات الجديدة، وتنخرط في صياغة قواعد دولية تحمي الأمن الجماعي دون المساس بحق الدول في التنمية التكنولوجية.
وقال كحلوش إن هذه المقاربة تعكس إرادة الجزائر في أن تكون طرفا فاعلا في الملفات المستقبلية الكبرى، وأن لا يقتصر دورها على الدفاع عن القضايا التقليدية فحسب، بل المساهمة أيضا في وضع أسس نظام دولي أكثر عدلا وتوازنا، وأضاف أن وزير الخارجية لم يكتفِ بالملف الفلسطيني، بل حرص على وضع ملف الصحراء الغربية ضمن أولويات النقاش الأممي، مذكّرًا بضرورة احترام قرارات الشرعية الدولية.
واعتبر كحلوش أن هذا الموقف يتناغم مع الثابت الجزائري القاضي بعدم التفريط في حق الشعوب في الحرية، مشيرا إلى أن بعض الأطراف تسعى إلى القفز على الشرعية الدولية أو الالتفاف عليها، غير أن الجزائر تعود لتؤكد أن الشرعية لا تسقط بالتقادم، وأن الدفاع عن القضايا العادلة ليس خاضعًا للمساومات الظرفية.
وأشار كحلوش في تحليله إلى أن البعد الإفريقي برز بقوة في خطابات الوزير عطاف، حيث جددت الجزائر قناعتها بأن أزمات القارة لا يمكن حلها إلا بأدواتها ومن داخلها.
فالاعتماد على حلول خارجية أثبت فشله في أكثر من حالة، سواء في مالي أو ليبيا أو منطقة الساحل، ومن ثمَّ فإن خطاب الجزائر في نيويورك أعاد التذكير بضرورة بناء مقاربات إفريقية خالصة تتأسس على إرادة الشعوب وحاجتها إلى الاستقرار الحقيقي، بعيدا عن التدخلات الأجنبية. ويرى الخبير أن هذا الطرح ليس جديدا على الجزائر التي كانت ولا تزال صوتًا للقارة في المحافل الدولية، لكنه اكتسب اليوم وزنا إضافيا مع عضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن، ما يتيح لها مساحة أوسع للتأثير وصياغة المبادرات.
وفي السياق نفسه، أبرز كحلوش أن عطاف ربط بين القضايا العربية والإفريقية، مؤكدًا أن الجزائر تنطلق من موقعها الجيوسياسي الفريد، لتكون جسرا يربط بين الفضاءين، ومركز ثقل يمكنه الدفع نحو مقاربات مشتركة أكثر فاعلية.
ومن هنا – يواصل محدثنا – جاءت دعوة عطاف إلى ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك عبر الجامعة العربية، وعدم الاكتفاء بالشعارات أو المواقف الرمزية. فالجامعة – كما شدد الوزير – مطالبة بأن تكون إطارا جامعا لمواقف موحدة خاصة تجاه فلسطين التي تبقى امتحانا حقيقيا لمصداقية العمل العربي المشترك.
وخلص الخبير إلى أن صوت الجزائر في نيويورك كان قويا رفع القضايا العربية والإفريقية إلى منصة عالمية، وذكّر العالم بأن الدفاع عن فلسطين، الصحراء الغربية، واستقرار إفريقيا هو جزء من التزام الجزائر التاريخي والأخلاقي.


