ردّت الجزائر من خلال ممثلها الدائم بالإنابة داخل المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، على مداخلتي مالي والمغرب، فحرّرت السجال من الشخصنة وأعادته إلى النصوص المرجعية التي تنظّم عمل الأمم المتحدة.
حرص الرّد على الفصل بين احترام الشعب المالي وانتقاد سلوك الطغمة الانقلابية في باماكو، وكذلك ثبّت الإطار القانوني لقضية الصّحراء الغربية كملف تصفية استعمار لا كمناظرة سياسية عابرة. علاوة على ذلك، قدّم مساراً عملياً للحل يركّز على مفاوضات مباشرة بين الطرفين المعنيّين، بينما تتعامل الجزائر كعضو مسؤول وجار معني بالاستقرار الإقليمي.
لم تكتفِ الجزائر بتصحيح مغالطات لفظية، بل أعادت تعريف موضوع النقاش، ما يقال في القاعة يجب أن يطابق الميثاق وقرارات الجمعية العامة، وأن يُقاس على عقيدة تصفية الاستعمار، التي تشكّلت تاريخياً عبر آليات واضحة. وفي نفس السياق، بدا الرّد صارماً في اللغة ومنضبطاً في المنهج، إذ انطلق من مداخلة وزير الشؤون الخارجية الجزائري، التي وُصفت بأنها كافية ووافية في دحض الادعاءات السابقة، ثمّ رَسَم الحدّ الفاصل بين النقد السياسي والاحترام الثابت للشعوب.
في ملف مالي، شدّد مندوب الجزائر على أنّ الجزائر لا ولن تنجرّ إلى استفزازات «الطغمة الانقلابية»، احتراماً للشعب المالي الجار والشقيق. في سياق متصل، وضع الرّد معياراً سلوكياً واضحاً: أي سجال يُراد له أن ينزلق نحو تصفية حسابات شخصية لن يجد صدى لدى الجزائر، لأنّ المقاربة الجزائرية تقوم على عدم التدخّل، وحسن الجوار، وإسناد الحلول إلى مسارات مؤسّسية لا إلى منابر المزايدة. كذلك، حمل هذا الجزء رسالة عملية إلى شركاء الساحل مفادها أنّ الاستقرار يبدأ من ضبط الخطاب قبل أي خطوات إجرائية، وأنّ تحويل منبر الأمم المتحدة إلى مساحة للتجييش لا يخدم الأمن الإقليمي.
أمّا في قضية الصّحراء الغربية، فقد ذهب الرّد مباشرة إلى الجذر القانوني. وأوضح أنّ إدراج الأقاليم ضمن لائحة تصفية الاستعمار يتمّ وفق الميثاق وقرار الجمعية العامة الخاص بإنهاء الاستعمار، وبناءً على المعلومات التي تقدّمها القوة القائمة بالإدارة وفق المادة 73 (أ). في نفس السياق، ذكّر بالتسلسل التاريخي الذي قاد إلى إدراج الصّحراء الغربية ضمن هذه اللائحة، مبيّناً أنّ ما يُطرح من ادعاءات حول «تسجيل» الملف من طرف المغرب لا يستقيم مع الآليات المعتمدة داخل الأمم المتحدة. كذلك، شدّد على أنّ نظر مجلس الأمن للقضية في إطار السلم والأمن الدوليّين لا يلغي اختصاصات الجمعية العامة واللجنة الرابعة واللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار، بل يجري بالتوازي معها ضمن توزيع وظيفي معلوم.
قوة الرّد ظهرت في دقّته الإجرائية. ولم يكتفِ بالتوصيف العام، بل قدّم درجات تفصيل لازمة لتثبيت الحُجّة، من تحديد الجهة التي تُمدّ الأمم المتحدة بالمعلومات، إلى توضيح كيف انتقل الملف بين اللّجان، وصولاً إلى النتيجة السياسية المباشرة وهي أنّ موضوع الصّحراء الغربية يظلّ قضية تصفية استعمار بمقتضى المرجعيات القائمة. علاوة على ذلك، واجه الرّد محاولة إقحام الجزائر كطرف نزاع، بالتذكير بأنّ طرفي التفاوض هما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، وأنّ الطريق الواقعي للحل هو مفاوضات مباشرة وغير مشروطة وبحسن نية بينهما، بينما تبقى الجزائر جاراً معنياً وعضواً مسؤولاً يدافع عن قواعد المنظومة لا عن اصطفاف ظرفي.
وفي سياق متصل، قدّم الخطاب قيمة مضافة تتجاوز ضبط الوقائع، حيث أعاد ترتيب الأولويات من لغة الاتهام إلى لغة القواعد. كذلك، منع تدوير الأزمة في حلقة خطابية مغلقة عبر تحويل النقاش إلى أسئلة عملية: من يفاوض؟ على أي أساس قانوني؟ وتحت أي مظلة مؤسّسية؟ بهذه الطريقة، يستعيد المسار الأممي دوره كآلية لحلّ النزاعات لا كخشبة عرض للمواقف، ويُمنع استنزاف القاعة في نقاشات تتجاهل صريح قرارات الجمعية العامة.
ومن الزاوية الإقليمية، ينعكس هذا التموضع على الاستقرار في الساحل والمغرب العربي، حين تُعلي الجزائر مرجعية القانون فإنها تضع سقفاً للسلوك السياسي، يحدّ من كلفة التوتر على مسارات الاقتصاد والأمن والهجرة. كذلك، يبعث الرّد بإشارة إلى الشركاء الدوليّين بأنّ معالجة الملفات الحسّاسة تمرّ عبر احترام تقسيم الأدوار داخل الأمم المتحدة، لا عبر احتكار منصة بعينها أو تحييد باقي اللّجان.
والخلاصة أنّ الجزائر نجحت في تحويل «حق الرّد»، من إجراء دفاعي إلى مبادرة تأطيرية تُلزم النقاش بقواعده وتُفكّك مغالطاته. وأثبتت أنّ احترام الشعوب لا يتعارض مع انتقاد سلوك سلطات الأمر الواقع، وأنّ حق تقرير المصير في الصّحراء الغربية ليس شعاراً، بل التزاماً منصوصاً عليه داخل منظومة قائمة. كذلك، أغلقت الطريق أمام جدل «إقحام الجزائر» عبر إعادة الملف إلى طاولة طرفيه مباشرة، وربطت أي تقدّم بمفاوضات جدّية غير مشروطة وبحسن نية. وبهذه الدقّة وبهذا النسق، قدّم الرّد الجزائري نموذج تغطية قانوني وسياسي متماسك، يعيد الاعتبار للمرجعيات الأممية ويمنح النقاش فرصة للخروج من الاستقطاب إلى الحل.

