تحقيق التكامــل بـين التخصــصـات وتوفـــير بيئـــة محفــزة للباحثـين
أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري، ثلاثة قرارات رسمية، تتضمن إنشاء شبكات بحثية موضوعاتية جديدة، تركز على مجالات حيوية تمثل مستقبل الاقتصاد العالمي والتنمية المستدامة، وهي الذكاء الاصطناعي، تحلية مياه البحر والمياه المالحة، ودراسة النيازك، في خطوة استراتيجية تهدف إلى ترسيخ مكانة الجزائر كمركز رائد للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي.
بحسب الثلاثة قرارات الرسمية، الصادرة في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، تم إنشاء ثلاث شبكات بحثية متخصصة لدى الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم والتكنولوجيا، وتهدف هذه الشبكات إلى تنسيق الجهود البحثية وتوجيهها نحو تحقيق أهداف وطنية محددة.
وتغطي هذه الشبكات مجالات استراتيجية كبرى هي الذكاء الاصطناعي (DZAIR) وتأتي هذه الشبكة لتكون قاطرة للابتكار الرقمي في الجزائر، حيث ستعمل على تطوير الأبحاث والتطبيقات في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو قطاع أصبح محركا أساسيا للنمو في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، من الصحة والتعليم إلى الصناعة والأمن.
تحلية مياه البحر والمياه المالحة (RADEAU)، وتمثل هذه الشبكة استجابة مباشرة لحاجة الجزائر الملحة لتأمين مصادر مياه مستدامة، في ظل التحديات العالمية المتعلقة بالأمن المائي، وستركز الشبكة على تطوير تقنيات مبتكرة وفعالة لتحلية المياه، مما يساهم في دعم الزراعة والصناعة وتلبية احتياجات المواطنين.
شبكة النيازك (DZ.TEAMENTIT) ويعكس إنشاء هذه الشبكة اهتماما متزايدا بالعلوم الفضائية والجيولوجية، وستعمل الشبكة على دراسة النيازك التي تسقط، مما يفتح آفاقا جديدة لفهم تكوين النظام الشمسي واستغلال الموارد الطبيعية النادرة التي قد تحتويها هذه الأجسام الفضائية.
رؤيــة استراتيجيـــة للمستقــبل
إنشاء هذه الشبكات البحثية يجسد الرؤية الطموحة لبرنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، التي تضع البحث العلمي في قلب الاستراتيجية التنموية، ومن خلال توطين هذه الشبكات في مقر الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم والتكنولوجيا، ستضمن الوزارة الوصية تحقيق التكامل بين مختلف التخصصات وتوفير بيئة عمل محفزة للباحثين.
وستعمل هذه الشبكات وفقا للمهام المحددة في المرسوم التنفيذي رقم 19-233، الذي يؤطر عمل الشبكات الموضوعاتية، حيث ستقوم بتحديد برامج عمل ومشاريع بحثية تخدم الأولويات الوطنية.
وبحسب النصوص التنظيمية، تعد الشبكة الموضوعاتية فضاء للتعاون العلمي، يهدف إلى توحيد الكفاءات وتنسيق الجهود بين الجامعات ومراكز البحث والقطاعات الاقتصادية، واستعمال الوسائل المشتركة من تجهيزات ومخابر وخبرات، إضافة إلى تشجيع العمل الجماعي في مشاريع بحثية ذات مصلحة مشتركة.
وتضم هذه الشبكات كيانات بحث، هيئات اقتصادية واجتماعية، جمعيات علمية معتمدة، إضافة إلى الكفاءات الوطنية المقيمة بالخارج، ما يجعلها فضاء غنيا ومتنوّعا، وهو ما يجعل الجزائر تخطو خطوات أخرى نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، فمن خلال الاستثمار في مجالات استراتيجية كالذكاء الاصطناعي والأمن المائي وعلوم الفضاء، تؤكد الجزائر عزمها على مواكبة التطورات العالمية وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية للتنمية والازدهار.
دور الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم والتكنولوجيا
وتتولى الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم والتكنولوجيا وهي مؤسسة محورية في منظومة البحث العلمي بالجزائر، يقع مقرها في العاصمة وتعمل تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، عدة مهام، منها توجيه البحث العلمي، حيث تعمل الوكالة على مواءمة الأبحاث مع الأولويات الوطنية والتحديات العالمية، مع التركيز على مجالات متقدمة مثل علوم المواد، الهندسة، والنانوتكنولوجيا، تعزيز الابتكار تلعب دورا حيويا في دعم الابتكار وتطوير القدرات التكنولوجية للبلاد، وكذا تشجيع البحث متعدد التخصصات، من خلال تسهيل التنسيق والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية، القطاع الصناعي، والهيئات الحكومية، وتحويل المخرجات البحثية إلى حلول عملية تعود بالنفع على المجتمع وتدعم الاقتصاد، بالإضافة إلى ذلك تساهم الوكالة، في نشر المعرفة العلمية من خلال المنشورات والمؤتمرات، وتعزيز مكانة الجزائر على الساحة العلمية الدولية.
تطبيقـات الذكــاء الاصطناعـــي نمــــو متزايـــد
وتعرف الجزائر في السنوات الأخيرة، اهتماما متزايدا بالذكاء الاصطناعي، حيث تم اعتماد استراتيجية وطنية تهدف إلى دمج هذه التكنولوجيا في مختلف القطاعات، ترتكز على ستة محاور، تشمل البحث العلمي، تطوير الكفاءات، دعم الشركات الناشئة، وتحديد القطاعات ذات الأولوية.
وقد تم إنشاء “المجلس العلمي للذكاء الاصطناعي” لتقديم المشورة واقتراح استراتيجيات التطوير، كما تم وضع حجر الأساس لأول مركز حوسبة عالي الأداء للذكاء الاصطناعي في وهران، وهي خطوة استراتيجية نحو تحقيق السيادة الرقمية.
وظهرت عدة تطبيقات للذكاء الاصطناعي في قطاعات متنوعة منها الصحة، لتشخيص الأمراض والكشف المبكر عنها، الصناعة لتحسين جودة الإنتاج والعمليات، التعليم، لتخصيص مسارات التعلم وتحديث المناهج الدراسية، الأمن للكشف عن الجرائم الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية، حيث بدأت الشركات الناشئة في الاستفادة من هذه التقنيات.
وأمام هذا الزخم القوي، توجهت الجزائر إلى تكوين الكفاءات المؤهلة وتعزيز البنية التحتية، فمع وجود شريحة كبيرة من الشباب والمواهب الهندسية يمثل فرصة هائلة للنمو، خاصة مع دعم الحكومة لريادة الأعمال والتعاون الدولي.
تحليـــة ميـــاه البحـــر الخيار الاستراتيجـــــي
أما في قطاع الموارد المائية، فاعتمدت الجزائر تحلية مياه البحر خيارا استراتيجيا للجزائر لمواجهة ندرة المياه وتحقيق الأمن المائي، خاصة في ظل التغيرات المناخية.
وبرزت عدة مشاريع ومخططات وطنية طموحة، تتضمن برنامجا ضخما للاستثمار في محطات التحلية، بهدف رفع نسبة مساهمة المياه المحلاة في توفير مياه الشرب إلى 60% بحلول عام 2030.
ويجري حاليا استكمال بناء خمس محطات كبرى بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 ألف متر مكعب يوميا لكل محطة في ولايات وهران، تيبازة، بومرداس، بجاية، والطارف، وقد دخلت محطة كودية الدراوش بالطارف مرحلة الإنتاج الكامل مؤخرا في أوت 2025، كما يوجد مشاريع جديدة لبناء سبع محطات جديدة إضافية بين عامي 2025 و2030 في ولايات تلمسان، مستغانم، تيزي وزو، الشلف، وجيجل، ومن المتوقع أن ترفع هذه المشاريع القدرة الإنتاجية الإجمالية للجزائر من المياه المحلاة من 2.2 مليون متر مكعب يوميا إلى 5.8 مليون متر مكعب يوميا.
وتعتمد الجزائر لتنفيذ هذه المشاريع الاستراتيجية على الخبرات والكفاءات الجزائرية بما فيها المقيمة بالخارج ومراكز البحث الوطنية، لتعزيز السيادة الوطنية في هذا القطاع الحيوي.
تظهر هذه المحاور الثلاثة توجها واضحا من الجزائر نحو الاستثمار في العلم والتكنولوجيا كركائز أساسية لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات المستقبلية.


