مع بداية الدخول المدرسي لهذا الموسم، يجد عشاق القراءة والباحثين عن الفضاءات العلمية والثقافية موعدًا متجددًا مع مكتبة مركز الفنون والثقافة بقصر رؤساء البحر ـ حصن 23، التي تعيد فتح أبوابها أمام القراء من الاثنين إلى الخميس، بداية من الساعة التاسعة صباحًا إلى غاية الرابعة والنصف مساءً، وذلك في إطار خدمة مجانية تهدف إلى ترسيخ عادة المطالعة وجعل الثقافة في متناول الجميع.
تشكّل المكتبة، التي تحتل مكانة مميزة في هذا المعلم التاريخي المطل على خليج العاصمة، نقطة جذب للطلبة والباحثين وعموم المهتمين بالعلوم الإنسانية والفنون. فهي تضم رصيدًا يتجاوز 4 آلاف عنوان، موزعة على مختلف التخصصات والحقول الفكرية. إذ يجد القارئ بين رفوفها كتبًا في التاريخ وعلم الآثار والهندسة المعمارية، إلى جانب مؤلفات تتناول الفنون بمختلف تعبيراتها، من التشكيل والشعر والمسرح والموسيقى، مرورًا بالتقاليد الشعبية التي تمثل بدورها جزءًا مهمًا من الذاكرة الثقافية الوطنية.
ولا تقتصر المكتبة على هذا الرصيد فقط، بل توفر أيضًا عناوين تغطي حقولًا معرفية متنوعة، مما يجعلها فضاءً مفتوحًا لاكتشاف الفكر الإنساني بمختلف اتجاهاته. بهذا تصبح المكتبة أكثر من مجرد مكان للمطالعة، إذ تتحوّل إلى حلقة وصل بين الماضي والحاضر، بين التراث المكتوب والباحثين الذين يستلهمون منه رؤى جديدة.
هذا الانفتاح المجاني يعكس رؤية إدارة مركز الفنون والثقافة الرامية إلى جعل حصن 23 ليس مجرد معلم تاريخي يحتضن فعاليات ثقافية وفنية، بل أيضًا فضاءً يوميًا للتلاقي مع الكتاب والمعرفة. فالمكتبة في جوهرها تمثل امتدادًا للرسالة التنويرية التي يضطلع بها المركز، وهي رسالة تزداد أهميتها في ظل التحولات الراهنة التي تعرفها المجتمعات، حيث يبقى الكتاب الوسيلة الأنجع لمواجهة تحديات العولمة الثقافية.
ويكتسب هذا الإعلان رمزيته مع الدخول المدرسي، حيث يبحث الطلبة والتلاميذ عن موارد إضافية تعزّز تحصيلهم العلمي وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة في البحث والدراسة. كما يشكل فرصة لأولياء الأمور لتشجيع أبنائهم على ارتياد المكتبات العامة والتعود على المطالعة باعتبارها عادة يومية تنمي الفكر وتثري الخيال.
الدعوة التي وجهها مركز الفنون والثقافة عبر منصاته الرسمية هي بمثابة نداء مفتوح لكل الشغوفين بالكتاب، من طلبة وباحثين وقرّاء هواة، لاكتشاف ما تخبئه رفوف المكتبة من كنوز معرفية. فزيارة المكتبة لا تقتصر على استعارة الكتب أو الاطلاع عليها، بل تمنح روادها تجربة ثقافية متكاملة في فضاء تاريخي يزاوج بين جمال المعمار وثراء المضمون.
إن مكتبة حصن 23، بما تحويه من رصيد نوعي وما توفره من أجواء مناسبة للبحث والتأمل، تؤكد من جديد أن المعرفة متاحة للجميع، وأن الثقافة، متى توفرت الإرادة، قادرة على أن تكون جسرًا يربط الإنسان بجذوره، ويمنحه في الوقت ذاته نافذة واسعة على العالم.



