هدفنا تطوير حلول بمنظور محلي يتلاءم مع الواقع الاقتصادي
الكفاءات الجزائرية بالخارج مكون رئيسي في المنظومة البحثية
أكد المدير العام للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، البروفيسور محمد بوهيشة، أن فتح شبكات موضوعاتية في مجال الذكاء الاصطناعي وتحلية المياه والنيازك، جاء تلبية للاحتياجات الوطنية ذات الأولوية الاستراتيجية واستجابة للمهنيين في مختلف القطاعات، مشيرا في حوار مع “الشعب” أن ذلك يكون من خلال بلورة رؤية متكاملة يتشارك فيها كل المتدخلين من باحثين وخبراء وشركاء اقتصاديين واجتماعيين، بهدف تطوير حلول لمشاكل مطروحة في إطار منظور محلي يتلاءم مع الواقع الجزائري، لتحقيق متطلبات التنمية الوطنية والدفع بالاقتصاد الوطني لآفاق أوسع.
– الشعب: ما المقصود بالشبكات الموضوعاتية، وما هي الأهداف المرجوة من إنشائها في مجالات الذكاء الاصطناعي، تحلية المياه، والنيازك ؟
البروفيسور محمد بوهيشة: الشبكات الموضوعاتية تعد من أوجه تنظيم البحث الذي نص عليه القانون 15-21، غير أن نشر هذه القرارات في الجريدة الرسمية عرف تأخرا إلى غاية هذه السنة رغم التأسيس لـ 11 شبكة موضوعاتية، وتمّ أخيرا الافراج على الشبكات الموضوعاتية الثلاث في مجالات الذكاء الاصطناعي، تحلية المياه والنيازك في انتظار الافراج عن ما تبقى، وذلك بالاتفاق مع الأمانة العامة للحكومة حول كيفية كتابة هذه القرارات الوزارية.
ولا تحتاج هذه الشبكة الموضوعاتية إلى إنشاء جهاز أو هيئة أو اعتمادات مالية، بل هي آلية تمكن الفاعلين في البحث العلمي من الالتقاء حول موضوع أو برنامج بحث ذا أولوية بحسب الاحتياجات الوطنية للدولة وكذا المجتمع الجزائري والتحديات التي تواجهها المنظومة البحثية والمنظومة الاقتصادية لبلدنا، ويكون ذلك بتضافر جهود فئة معينة من الفاعلين، من خلال اعطائهم الصفة الرسمية في هذا التنظيم على أولوية معينة.
ونقصد بالفاعلين هنا الباحثين، مراكز البحث الجامعية والبحثية، الشركاء الاجتماعيين، من مؤسسات اقتصادية وثقافية وغيرها ..، من المؤسسات التي تتمتع بصفة طبيعية أو معنوية، وحتى المنظمات والجمعيات المعتمدة من طرف الدولة، ناهيك عن مكون آخر مهم في الشبكة الموضوعاتية وهو الجالية الوطنية الموجودة بالخارج، بهدف الاستفادة من مساهمتهم في المجهود الوطني، ما من شأنه أن يساهم في تظافر الجهود والاستعمالات الأفضل للإمكانات المادية والعلمية المتوفرة، وخلق تفاعل مباشر بينهم.
ويعود اختيار المواضيع على غرار الذكاء الاصطناعي لكونه من أهمها العوامل التي ستغير الحياة اليومية للمواطن، والاقتصاد، حيث إن المستقبل كله سيعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما جعل منه أولوية الأولويات التي يجب على البحث العلمي والدولة التكفل بهذا الجانب حتى لا تكون في ذيل الترتيب.
أما فيما تعلق بالشبكة الموضوعاتية الثانية المتعلقة بتحلية المياه فهي تتماشى مع البرنامج الطموح للدولة التي تطمح للرفع من تزويد الساكنة بماء الشروب عن طريق تحلية مياه البحر إلى حدود 60 % في آفاق 2030، وذلك من خلال انشاء محطات تحلية وهو موضوع ذو أهمية وأولوية وطنية.
وتضم هذه الشبكة الموضوعاتية باحثين جامعيين، وباحثين من مراكز البحث، بالإضافة إلى مدراء وتقنيين محطات تحلية المياه، وممثلين عن الوزارات المعنية والمتدخلة في إنجاز هذا البرنامج الطموح لرئيس الجمهورية كوزارة الري، الطاقة، الفلاحة.
وفيما تعلق بالشبكة الموضوعاتية الثالثة المتعلقة بالنيازك، فهي أيضا أولوية وطنية وجاءت بوازع من وزارة الدفاع الوطني، بسبب عمليات التهريب التي طالت الآثار التي لها علاقة بعلم الفلك خاصة على الجهة الغربية، وبالتالي جاءت هذه الشبكة استجابة لمطلب الحفاظ على مكونات الإرث المادي للدولة الجزائرية، لهذا فهي تضم ممثلين عن وزارة الدفاع الوطني، الجمارك باعتبارهم هم من يتولون تحديد طبيعة الأحجار المهرّبة إذا ما كانت معلم أم حجر عادي، بالإضافة إلى الباحثين وشركاء آخرين يضطلعون بمهمة استراتيجية لها بعد أمني تستهدف الحفاظ على الثروة الوطنية المادية.
الاستعمال الأمثل للطاقات البشرية والمادية..
-كيف تتكامل هذه الشبكات مع الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي 2030، مع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد؟.
باعتبار أن الشبكات الموضوعاتية تعد من بين التنظيمات التي نص عليها القانون، فهي تنص على تظافر الجهود والذي لن يكون إلا بضم ومشاركة ومساهمة العديد من الفواعل والمكونات من باحثين وشركاء اجتماعيين واقتصاديين للعمل بشكل جماعي ومتناغم بهدف إيجاد حلول لمشاكل ذات أولوية.
فهذه الصفة التنظيمية للشبكة الموضوعاتية هي التي تسمح بتمكين فاعلين في عدة ميادين من توحيد جهودهم بالمشاركة وتبادل الخبرات والاستماع لمختلف الآراء والاستعمال الأمثل للطاقات البشرية والمادية من أجل ايجاد الحلول المرجوة لحل مشكل معين خاصة إذا كان له طابع استعجالي، على غرار تحلية المياه.
وستسمح هذه الشبكة الموضوعاتية بتحديد المشاكل التي تعاني منها محطات التحلية على اعتبار أن لها بعد استراتيجي استشرافي، وبحث سبل رفع من نسبة الادماج خلال عملية الإنجاز ولما لا الوصول إلى 90%، بدل الاعتماد على استيراد كل الأجزاء المتعلقة بها من الخارج وهذا أمر مهم.
وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه من خلال قطاع التعليم العالي وحده فقط، بل يمكن مساهمة العديد من الشركات الصناعية المنتشرة عبر الوطن المساهمة في ذلك كل في مجاله.
البحث العلمي يهتم بكل ما يدفع بعجلة الاقتصاد والتنمية..
– تم اختيار ثلاثة مجالات متباينة، من الرقمي إلى البيئي والفضائي. هل يعكس هذا توجها نحو تنويع مجالات البحث العلمي الاستراتيجي وعدم التركيز على قطاع واحد فقط؟
يجب أن أؤكد أن البحث العلمي يهتم بكل ما يخص بدفع عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة، ولهذا جاء الاهتمام بتحلية المياه لأنه يتعلق بعنصر حيوي بحياة المواطن الجزائري وليس فقط رفاهيته، وبالتالي استجابة للحاجات الوطنية، ونفس الأمر بالنسبة للذكاء الاصطناعي الذي يفرض علينا كدولة الالتحاق بهذا الركب.
وبالتالي الهدف من استحداث هذه الشبكات الموضوعاتية هو ضمان تظافر الجهود من أجل تقديم عمل بحثي متكامل وتشاركي يضم كل الوزارات المعنية على غرار وزارة البريد والاتصالات، المؤسسات الناشئة لإيجاد حلول جزائرية وتطوير نماذج وطنية بلغة واسعة الآفاق، وبآليات وتقنيات ذكية جزائرية تعتمد على الذكاء الاصطناعي الوطني وليس على “الشات جيبتي” وتتلاءم مع الواقع الجزائري وتخدم الاقتصاد الوطني.
…03 وكالات موضوعاتية تتولى الاعتماد والتوطين…
– كيف يتم توطين الشبكات في مقر الوكالة الموضوعاتية، وما هي الخطوات العملية لدعم هذه الشبكات وتوفير البنية التحتية والموارد البشرية اللازمة لانطلاقها بفعالية؟.
يتم اعتماد الشبكة الموضوعاتية على مستوى وكالة من وكالات موضوعاتية للبحث لأن المنظومة البحثية تتكون من مراكز، وحدات، مخابر، وفرق بحث، بالإضافة إلى الوكالات الموضوعاتية والتي تكون بين الوزارة وبين مختلف الهيئات التي تنفذ أنشطة البحث المذكورة سابقا.
وهناك وكالة بحث تعنى بكل ما هو علم وتكنولوجيا في الحراش بالجزائر، ووكالة تعنى بكل ما هو علوم الطبيعة وعلم الحياة والصحة بوهران، والوكالة الموضوعاتية الأخيرة تعنى بكل ما له علاقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية بقسنطينة.
وبالتالي يتم اعتماد الشبكات الموضوعاتية وتوطينها على مستوى الوكالات الموضوعاتية للبحث، لأنها تمثل هيئة عمل وسيطة بين المديرية العامة للبحث العلمي والوزارة والهيئات التي تنفذ أنشطة البحث، على اعتبار أنها تتوفر على معطيات حول كل ما هو أنشطة بحث يقام لها، هي التي ستقوم بتوطين هذه الشبكة الموضوعاتية، بتمويلها والتكفل بكل النشاطات وبتسهيل نشاط الشبكات الموضوعاتية.
فعندما يتم تشخيص ميدان كميدان أولي يجب أن يدرج ضمن شبكة موضوعاتية، وأول خطوة تقوم بها هذه الشبكة تكوين نواة تضم من ثلاث إلى خمس خبراء مهمتهم تحضير مذكرة تفاهم تكون بمثابة وثيقة أولية يتم القيام على أساسها بدعوة لجميع أطياف المجتمع من باحثين، متعاملين اقتصاديين، وممثلين عن هيئات رسمية كالوزارات للمشاركة في الشبكة الموضوعاتية من أجل تنظيم جمعية عامة، ويتم شرح الإشكالية خلال يوم وتبادل النقاش، ومن ثم يتم تأسيس مكتب للشبكة الموضوعاتية ويتم الانطلاق في العمل.
وعلى أساس ذلك يمكن مثلا الإعلان عن بحث وتطوير أو أنشطة الابتكار في ميدان معين، فتقوم الوكالة بإنجاز ذلك، حيث تقوم المديرية بتمويل الوكالة ومن ثم تقوم هذه الأخيرة بدعوة الباحثين أو الاقتصاديين بإنجاز أي جهد بحثي أو مشروع تطويري أو ابتكاري في الموضوع المقترح، من أجل المساهمة في إيجاد حلول للإشكاليات التي يعاني منها هذا الميدان.
..أغلب الشبكات الموضوعاتية تكون باقتراح من الاقتصاديين..
– هل سيكون تعاون بين هذه الشبكات الجديدة والقطاع الصناعي والاقتصادي في الجزائر لتحويل مخرجات البحث إلى منتجات وخدمات ملموسة؟
يجب أن نعلم أن أغلب الشبكات الموضوعاتية التي تقترح تكون بطلب من الشركاء الاقتصاديين، لهذا فهي لا تضم فقط باحثين، بل تضم أيضا متعاملين اقتصاديين وصناعيين وجزء كبير من الجمعيات ومن الكفاءات الموجودة في المهجر.
وبالتالي إذا كان الموضوع يهم المجتمع فمصيره التثمين ومن ثم إلى التجسيد، حيث يتم نقل المعرفة ونتائج البحوث إلى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز التنمية، وذلك بعد دعم الأفكار والابتكارات العلمية في المجالات ذات الأولوية الوطنية.
فمثلا عند الحديث عن كل ما له علاقة بالزراعة الصحراوية، يمكن مناقشة كيفية انتاج قمح مقاوم للجفاف وتطويره، وبالتالي فالكميات التي ستنتج لديها من يستعملها سواء كوسيدار، الديوان الوطني للحبوب أو مؤسسة “أغروديف” وغيرها من المؤسسات التي تنشط في هذا المجال.
– هل هناك إمكانية للشراكة مع مراكز بحثية دولية لتبادل الخبرات وتسريع وتيرة البحث والتطوير؟
طبعا ليس هناك ما يمنع ذلك، ولكن يجب أن أذكر أنه من مكونات الشبكة الموضوعاتية التي نص عليها المرسوم، ضمان مشاركة الكفاءات الجزائرية الموجودة في الخارج، ولكن هذا لا يمنع الشبكة الموضوعاتية من التعامل مع مراكز بحث دولية من أجل إيجاد حلول في إطار الإشكالية المطروحة، ومن ذلك مثلا الشبكة الموضوعاتية المتعلقة بتحلية المياه، هناك خبراء وكفاءات جزائرية تنشط بمراكز بحثية في فرنسا والسعودية.
